لا تزال ولاية بانشير عصيّةً على حركة «طالبان»، التي تبدو عازمةً، هذه المرّة، على ضمِّها، جنباً إلى جنب الولايات الأفغانية الـ 33 الأخرى، إلى سلطتها المستعادة منذ منتصف آب الماضي. وتدور المعركة راهناً حول وادي بانشير، آخر الجيوب المعارِضة للنظام الأفغاني الجديد في شمال شرق البلاد، حيث شنّ مقاتلو الحركة هجوماً، أوّل من أمس، على جنوب المنطقة من ولاية كابيسا، كما قادوا آخر في شرق الوادي المغلَق في قلب جبال هندو كوش التي تقع نهايتها الجنوبية على مسافة 80 كيلومتراً شمالي العاصمة كابول. وفي ضوء التحديات الكبيرة التي يواجهها نظام «طالبان» العائد إلى الحكم، تضيف أزمة بانشير طبقةً إضافية من التعقيدات، وخصوصاً أن الحركة التي باتت تتبنّى خطاباً أكثر «سلميّة»، تفضّل الركون إلى حلٍّ يجنّبها مزيداً من القتال، وإنْ كانت تصرّ على وضع يدها على ولايةٍ ظلّت، طويلاً، خارج سيطرتها.للوادي، نقاط دخول محدودة، وتتيح له تضاريسه تفوّقاً عسكرياً طبيعياً، إذ بإمكان وحدات الدفاع أن تَستخدم مواقع مرتفعة لاستهداف القوات المهاجمة. لكن «طالبان»، وإذ تؤكد على لسان الناطق باسمها، ذبيح الله مجاهد، أنها باتت تحاصر وادي بانشير من جهاته الأربع، بعد رفْض عدد من القيادات العسكرية المناوئة لها تسليمه، لا يمكنها، بأيّ حال من الأحوال، أن تضمن السيطرة على الوادي بعملية عسكرية، نظراً إلى طبيعته الجغرافية المعقّدة. لهذا، تفضّل، وفق مجاهد، العمل على «حلّ الوضع في الولاية عبر التفاوض»، إذ «لا يمكن القبول ببقاء منطقة بانشير خارج سيطرتنا، لأنها أرض أفغانية». ومع مغادرة آخر الجنود الأميركيين، أفغانستان، ليل الاثنين، قال أهالي بانشير إن «طالبان» هاجمت الوادي من جبهتَين: ممرّ خاوك في الغرب، ومن شتول جنوباً.
للوادي نقاط دخول محدودة، وتتيح له تضاريسه تفوّقاً عسكرياً طبيعياً

وفي موازاة ذلك، دعت المرابطين في الجَيب المعارض لها في وادي بانشير إلى إلقاء سلاحهم. وقال المسؤول البارز في «طالبان»، أمير خان متقي، في رسالة صوتيّة وجّهها إلى أهالي المنطقة: «أيها الإخوة، بذلنا كل جهودنا لحلّ مشكلة بانشير عن طريق المحادثات والمفاوضات... لكن لسوء الحظ ذهبت (الجهود) سدى. الآن، وقد فشلت المحادثات ومجاهدو (طالبان) يطوّقون بانشير، لا يزال في الداخل مَن لا يريدون حلّ المشكلات سلمياً». وخاطبت رسالة «طالبان» الأهالي، قائلةً: «يعود لكم أن تتحدّثوا إليهم... أولئك الذين يريدون القتال، قولوا لهم كفى». وأكد متقي أن قوات حركته تجري استعدادات على الجوانب الأربعة المحاصَرة لوادي بانشير، ولا داعي للقتال، مذكّراً القوات المناهضة لـ«طالبان» بأن «تضع في اعتبارها أنه لم يكن ممكناً هزيمة طالبان، حتى بدعم من حلف شمالي الأطلسي والقوات الأميركية». إلّا أن «جبهة المقاومة الوطنية» الأفغانية، وهي المظلّة التي تضمّ ميليشيات مناهضة لـ«طالبان» وفلول الجيش ووحدات من القوات الخاصّة المتمركزة في بانشير، بقيادة أحمد مسعود، تقول إنها ألحقت «هزيمة ثقيلة» بمسلّحي الحركة، بعدما قتل العديد منهم في الهجوم، بحسب فهيم دشتي، المسؤول في «الجبهة»، والذي قال إن الحركة «لم تتقدّم ولا حتّى كيلومتراً واحداً». كما تعهّدت «الجبهة» التي أعربت عن أملها بالحوار مع «طالبان»، الدفاع عن الوادي الذي يحيط به مئات المقاتلين من الحركة الإسلامية.
إزاء ما تقدَّم، تفيد مصادر الحركة بأنه لم يعد أمامها خيار سوى شنّ عملية عسكرية واسعة في ولاية بانشير، وذلك بعد فشل المفاوضات مع زعيم «جبهة المقاومة»، أحمد مسعود، في إحداث أيّ اختراق يجنّب مقاومته القتال. ويبدو أن نجل زعيم «المجاهدين»، أحمد شاه مسعود، وضع، وفق تسريبات إعلامية، شروطاً لا تناسب الحركة، إذ تتمثّل في ألّا تسحب سلطات «طالبان» الأسلحة والمعدات العسكرية من قواته، وأن تُمنح جماعته حصة 30% من تشكيلة الحكومة المقبلة، وأن يتمّ تعيين المسؤولين كافة بموافقة «الجبهة»، وألّا يخضع مَن يريد زيارة ولاية بانشير للمراقبة والتعقّب.