لا يبدو اقتراح رئيس وزراء العدو، نفتالي بينت، على الرئيس الأميركي، جو بايدن، تشكيل «حلفٍ دفاعي» بين إسرائيل ودول الخليج والأردن لمواجهة «التهديد الإيراني»، مفصولاً عن التحوّلات التي شهدتها البيئة الإقليمية لدولة الاحتلال، وعن تقدير الأخيرة لحجم المخاطر الكامنة في تلك البيئة، وإدراكها محدوديّة خياراتها العمليّاتية الذّاتية في مواجهة هذا المستوى من التهديدات. وإذا كان واضحاً أن الهدف من الاقتراح تحصين الكيان العبري وأمنه القومي من تداعيات التعاظم المستمرّ في قدرات المحور المعادي له، فإن السّؤال يتمحور حول توقيت الطرح ورسائله والمؤشّرات التي يكشفها في شأن المستقبل.الأكيد أن الاقتراح الذي حمله بينت هو خلاصة ما انتهت إليه تقديرات الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية وتوصياتها، وهو يأتي امتداداً لسلسلة البدائل التي تبلورت تباعاً في أعقاب فشل المخطّطات الأميركية للمنطقة، بدءاً من احتلال العراق عام 2003، مروراً بفشل الرهان على الجماعات الإرهابية، وصولاً إلى الحرب الاقتصادية التي تتعرّض لها قوى المقاومة. ولو أن أيّاً من تلك المخطّطات حقّق أهدافه المؤمّلة، لمَا كانت هناك حاجة إلى هذا النوع من الطّروحات، ولمَا اضطرّت إسرائيل للاستعانة بتلك الدول التي تكاد تُحوّلها إلى مواقع متقدّمة لخدمة الأمن القومي الإسرائيلي، على رغم تسويق الأمر على أنه «تحالفٌ في مواجهة التهديدات المشتركة»، في محاولة للتّعمية على الدّور الوظيفي لهذه الأنظمة. كذلك، يؤشّر اقتراح بينت إلى أن تل أبيب باتت موقنةً بأن واشنطن تتّجه إلى الخروج من المنطقة، عاجلاً أم آجلاً، مع ما يعنيه هذا من استمرار تراجع النفوذ الأميركي، في وقتٍ يتعاظم فيه التّهديد المباشر المحدق بالكيان الإسرائيلي، ويتّسع نطاقه جغرافياً، إذ لم يَعُد محصوراً بالدائرة الأولى (لبنان وسوريا)، بل بات يمتدّ من داخل فلسطين إلى إيران، مروراً بلبنان وسوريا والعراق واليمن. وهو امتداد من المتعذّر على إسرائيل إحداث تغييراتٍ جوهريّةٍ إزاءه لمصلحتها، ولذا فهي تريد من الولايات المتحدة القيام بالمهمّة المذكورة بالنّيابة عنها، علماً أنّ المخاوف العبرية تتّصل بشكل رئيس بالقدرات الصاروخية والمسيّرة الإيرانية.
يعكس اقتراح بينت إدراكه لمحدودية قدرة إسرائيل على مواجهة قدرات أعدائها


لكن، ما يفاقم المشكلة بالنسبة إلى إسرائيل، أنّ رهاناتها السّابقة على المخطّطات الأميركية التي هدفت إلى القضاء على مصادر التّهديد تلك، باءت بالفشل، فضلاً عن فشلها هي أيضاً في «المعركة بين الحروب»، وهو ما يدفعها اليوم إلى اقتراح تشكيل «تحالف دفاعي» وصفته قناة «كان/ 11» بأنه «تحالف عسكري على غرار حلف شمال الأطلسي»، يحاول الاستفادة من المواقع الجغرافية المتقدّمة للدول العربية المعنيّة، في مواجهة محور المقاومة. وفي تنظيره لذلك، اعتبر بينت أن «التهديد الإيراني يثير تخوّف دول المنطقة، بما فيها بعض الدول الخليجية والأردن»، في حين أن خيارات الأنظمة العربية المذكورة هي التي وضعتها في خندقٍ واحد مع العدو. كذلك، يعكس اقتراح بينت إدراكه لمحدودية قدرة إسرائيل على مواجهة قدرات أعدائها. وعلى هذه الخلفية، تضمّن طرحه «نصب رادارات وأجهزة إنذار من تهديدات جوّية من قِبَل إيران على غرار هجمات محتملة بطائرات مُسيّرة مفخّخة». ويأتي هذا في الوقت الذي ارتفعت فيه الأصوات في واشنطن وتل أبيب بالتحذير من مخاطر المسيّرات الهجومية الإيرانية، وفي ظلّ إقرار كبار القادة العسكريين بعدم وجود حلولٍ جذريّةٍ لمواجهة هكذا تهديدات. ولذا، اتفق الطرفان على تشكيل طواقم عمل مشتركة لبحث سبل تحييد الخطر الإيراني. لكن مشكلة إسرائيل الرئيسة التي لم تتمكّن من محاصرتها، فضلاً عن حلّها، أن تلك القدرات لا تقتصر على إيران فقط، بل إنّ الأخيرة تُزوّد بها حلفاءها، ومن هنا ينبع الإلحاح الإسرائيلي على الاستعانة بالأميركي و(بعض) العربي على حدٍّ سواء. إذ إن تل أبيب تدرك تماماً أنّه مهما تطوّرت قدراتها الاعتراضية، فإنها غير قادرةٍ على مواجهة سيناريو يتمّ فيه إمطار الجبهة الداخلية بأنواع الصواريخ كافّة، ومن كلّ الجبهات.
أمّا الدّلالة الأبرز التي لا يمكن القفز عنها، والمتعلّقة بالتوقيت السّياسي، فهي أنّ هذه الاقتراحات الإسرائيلية تقترن بفشل الرهان على مفاوضات فيينا في إخضاع إيران للمطالب الأميركية المتّصلة بالنفوذ الإقليمي والقدرات الصاروخية. ومع أنه ليس واضحاً حتى الآن متى يمكن استئناف هذه المفاوضات، وكيف ستنتهي، إلّا أنّ الأداء الإسرائيلي يكشف أيضاً عن إدراك تل أبيب حقيقة أنّ طهران ليست في وارد التراجع أو إبداء المرونة في كلّ ما يتعلق بدعم حلفائها وقوى المقاومة في المنطقة. ونتيجة ذلك، فإن المخاطر التي تواجهها إسرائيل ستظلّ في مسار تصاعدي متسارع.