بحلول فجر الثلاثاء، كانت حركة «طالبان» قد أحكمت سيطرتها على مطار كابول، بعدما أتمّت القوات الأميركية، وحلفاؤها في «حلف شمال الأطلسي»، انسحاباً متعجّلاً ومهيناً من أفغانستان، منهيةً حرباً دامت لمدة 20 سنة، وتركت الحركة في وضع أقوى كثيراً ممّا كانت عليه إبّان الغزو. ومن المطار، حيث غادر آخر جندي أميركي - هو الميجر جنرال كريس دوناهو، قائد «الفرقة 82» المنقولة جواً -، أطلّ الناطق باسم «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، ليعلن الانتصار، وليهنّئ الشعب الأفغاني بالإنجاز المُحقَّق، بعدما «حرّرنا بلدنا من قوّة عظمى». مع هذا، كرّر مجاهد أن حركته الحاكمة تريد «علاقات جيّدة مع الولايات المتحدة والعالم»، وترحّب بـ«علاقات ديبلوماسية جيّدة معهم جميعاً».إزاء هذه التصريحات والوعود، يترقَّب العالم إعلان «طالبان» عن شكل النظام الذي تعتزم إرساءه، بعد مضيّ أسبوعين على اكتساحها العاصمة كابول، وقبل أيّام قليلة من الإفراج عن تشكيلة «حكومة التوافق»، وفق ما صرّح به وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قرشي، والذي لا تزال بلاده متحفّظة لجهة إبداء أيّ نوعٍ من الدعم الواضح للحركة، وسط خشية إسلام آباد من موجة لجوء جديدة، لن يكون في مقدورها تحمّل تبعاتها. وإن كان الأوروبيون، الذين أرادوا إطالة أمد بقائهم في أفغانستان لتجنُّب «الانسحاب المتهوّر»، غير راغبين في التعامل مع السلطة الجديدة في أفغانستان، تبدو الولايات المتحدة، التي تخشى اتّساع بؤرة الإرهاب في هذا البلد، مع عودة نشاط تنظيم «داعش»، أكثر استعداداً للانخراط مع «طالبان»، على رغم تعليق السفارة الأميركية في كابول عملياتها، تزامناً مع الانسحاب العسكري من البلاد. وعقب إقلاع آخر طائرة حربية، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن بلاده علّقت وجودها الديبلوماسي في أفغانستان، وستقوم بعملياتها انطلاقاً من العاصمة القطرية، الدوحة، ومنها العمل القنصلي وإدارة المساعدات الإنسانية، عبر فريق يقوده إيان مكاري، نائب رئيس البعثة الأميركية في أفغانستان. وبيّن بلينكن أن «فصلاً جديداً» من انخراط أميركا في أفغانستان، قد بدأ، حيث «سنواصل جهودنا الحثيثة لمساعدة الأميركيين والأجانب والأفغان على مغادرة أفغانستان إذا اختاروا ذلك». وعن مستقبل علاقة الولايات المتحدة مع حكومة تقودها «طالبان»، قال الوزير الأميركي إن ذلك سيعتمد بالدرجة الأولى على المصلحة الوطنية لبلاده، وعلى سلوك الحركة في المرحلة المقبلة.
تبدو الولايات المتحدة أكثر استعداداً للانخراط مع «طالبان» في مهمّة «مكافحة الإرهاب»


وفيما تتّجه كافة الأنظار حالياً إلى الطريقة التي ستتصرف فيها «طالبان» في أيّامها الأولى وحيدةً في السلطة، يستكمل أركان الحزب الجمهوري هجمتهم على الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد إعلان «البنتاغون» خروج آخر جندي أميركي من أفغانستان، في انسحاب وصفوه بـ«المذلّ»، ويترك مواطنين أميركيين «تحت رحمة» الحركة الأفغانية. وبحسب رئيسة الحزب الجمهوري، رونا مكدانييل، فإن بايدن «خلق كارثةً، وخذَل الأميركيين ومصالحنا»، إذ إن ما حصل في كابول «يُثبت ما كنّا نعرفه أصلاً.. جو بايدن غير قادر على أداء دور القائد الأعلى للقوات المسلحة، والولايات المتحدة والعالم هما أقلّ أماناً بسببه». من جهته، قال السيناتور الجمهوري، ريك سكوت: «لا يمكننا خوض حروب لا تنتهي، لكن نطاق وعواقب فشل بايدن هنا مذهل»، فيما اعتبر العضو في الكونغرس، ريتشارك هودسون، أن «الرئيس بايدن جلب عاراً كبيراً للشعب الأميركي». لكن الرئيس الأميركي المسكون بفشل الانسحاب من أفغانستان، آثر الدفاع عن نفسه، وعن قراره الالتزام بمهلة 31 آب لإتمام الانسحاب، قائلاً إن «العالم سيلزم طالبان بتنفيذ تعهّدها بالسماح بالخروج الآمن لمَن يرغب في مغادرة البلاد».
ويُعدّ مطار كابول من بين التحديات الماثلة أمام نظام «طالبان»، إذ لا تزال الحركة تبحث عن جهة لتديره بعد انسحاب القوات الأميركية، التي عكفت، على مدى الأسبوعين الماضيين، على تأمينه وتشغيله، بما يقرب من ستة آلاف عسكري. وتُجري الحركة، في هذا الوقت، محادثات مع حكومات دول مثل قطر وتركيا، سعياً إلى المساعدة في استمرار عمليات الطيران المدني من المطار، وهو السبيل الوحيد المتاح أمام كثيرين لمغادرة أفغانستان. وطلبت «طالبان» من تركيا (المسؤولة - في إطار مهمّة «حلف شمال الأطلسي» - عن أمن المطار طيلة السنوات الستّ الماضية) التكفّل بالأمور اللوجستية فيما ستهتمّ الحركة بضبط الأمن، إلّا أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لم يقبل العرض بعد، فيما قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن مطار كابول بحاجة إلى إصلاحات قبل إعادة فتحه أمام الرحلات المدنية.