يثير السقوط المُدوّي لحكومة محمد أشرف غني في أفغانستان، إثر التقدّم الخاطف لقوات «طالبان»، الكثير من التساؤلات عن الجيش الأفغاني. وفيما تمحورت التحليلات التي كُتبت للإجابة عنها، حول الدور الأميركي، فإنها لم تتطرّق إلى ماهية هذا الجيش، وتقسيماته، وولاءاته... من المعروف أنه، منذ عام 2001، أنفقت أميركا ما يزيد عن تريليونَي دولار على الحرب في أفغانستان، خُصّص أكثر من 10 في المئة منها (183 مليار دولار) لتدريب وتجهيز القوات العسكرية والأمنية الأفغانية. واستناداً إلى ما ذكرته واشنطن على الورق، وإلى الأرقام المُعلنة، فهي قد قامت، على مدى الأعوام العشرين الماضية، بتدريب ما يزيد عن 300 ألفٍ من القوات العسكرية في أفغانستان (قوّات الأمن والشرطة، وحرس الحدود ونظام السجون، والقوات الخاصة، وفقاً للمواصفات الدولية). وأيضاً استناداً إلى التصريحات والأرقام الأميركية، فإن أوّل سبب مؤثّر وراء عدم خوض القوات العسكرية الأفغانية القتال، يرتبط بفساد الزعامات السياسية، والقيادات العسكرية. أكثر من ذلك، فعلى عكس ما أفادت به الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الأوساط الدولية، يبدو عدد القوات العسكرية الأفغانية أقلّ من 200 ألف شخص، وهو ما يناقض الأرقام المغلوطة والمضلِّلة، التي قدّمتها الحكومة الأفغانية. وبغضّ النظر عن مدى تأثير ما تَقدّم على فشل الجيش الأفغاني في مواجهة «طالبان»، تبقى فضيحة «بنك كابول» وسرقة أكثر من مليار دولار من الودائع المصرفية، إبان عهد حامد كرزي، أكبر دليلٍ على استشراء الفساد السياسي على نطاق واسع في أفغانستان.
بشتون... وغير بشتون
تصنَّف القوات الخاصّة، والكوماندوس، والقطع الأمنية 01 و02، من ضمن القوات العسكرية الأفغانية التي تملك خبرة واسعة، ما يعني أن عدم تحرّكها، أخيراً، في مواجهة «طالبان»، يحمل في طيّاته الكثير من الغموض. ويُراوح عديد هذه القوات، بجانب القوات المجوقلة، ما بين 40 إلى 50 ألف شخص، يملكون القدرة على استعادة كابول. لذا، يبقى السؤال: لماذا لم يفعلوا ذلك؟ وللإجابة، لا بدّ من إلقاء نظرة على تقليد الحوكمة في أفغانستان. هناك، تُعتبر القوات الأمنية والعسكرية نفسها تابعة للقيادة السياسية. وعليه، فإن خوض القتال من عدمه يرتبط بشكل مباشر بالإرادة السياسية السائدة إلى حدّ كبير. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن الزعامات السياسية الأفغانية، ولا سيما ثلاثي محمد أشرف غني - حمد الله محب - وفضل فضلي، تقيم ارتباطاً وثيقاً للغاية مع «طالبان». ومع كشف وسائل الإعلام النقاب عن اللقاء الذي عقده هؤلاء، أو المقرّبون منهم، مع «طالبان»، وجدت الشرائح غير المنتمية إلى البشتون، وعلى وجه الخصوص في القطاعات العسكرية والأمنية، نفسها متورّطة في لعبة «البشتون وغير البشتون»، الأمر الذي شكّل سبباً إضافياً لتراجع الدافع لدى القوّات العسكرية للدخول في قتال. بالتالي، ما كان من تقارب القادة إلّا أن عزّز هذا الميل، ولا سيّما أن عرقية البشتون لا ترغب في الحرب مع «طالبان»، التي يُعتبر أعضاؤها إخوة لها. بناءً عليه، افترض الجنود غير البشتون، في ضوء علمهم بتبادل الرسائل بين القادة السياسيين و»طالبان»، أنهم خاسرون، في الوقت الذي كانوا فيه فاقدين للأمل بأيّ ترقية ضمن المنظومة العسكرية. ففي هذه المنظومة، لطالما كانت الترقية شبه محصورة بالبشتون.
يرتبط خوض القتال من عدمه بالإرادة السياسية السائدة إلى حدّ كبير


دور الفساد
من جهة أخرى، لا يمكن إغفال أن المساعدات الدولية الضخمة لتنظيم وتدريب الجيش الأفغاني، أفضت في نهاية المطاف إلى ظهور فساد منظّم وهيكلي بين العسكريين والسياسيين. وقد وصل الأمر إلى حدّ إيجاد دورة لتهريب وبيع الوقود والغذاء والتجهيزات العسكرية من قِبَل المؤسّسات التي تتولّى تلبية احتياجات الجيش. وقد عزّز هذا الواقع، أيضاً، عدم حماسة الجنود للقتال. فهؤلاء الذين يحاربون «طالبان» بالحد الأدنى من المواد الغذائية والإمكانات، كانوا يشاهدون عملية التبادل الجارية، والتي كان يذهب بعضٌ منها إليهم، بصورة استعراضية. وقد قوّض ذلك السلوك، مع الوقت، الدافع لدى الجنود، الذين فقدوا الثقة بالطبقات العسكرية العليا، والزعامات السياسية. بالرغم من كلّ ما تقدّم، لم يستسلم الكثير من الجنود، ولم يسلّموا أسلحتهم. ومع مراقبة ورصد التطوّرات، والتعويل على الشواهد الميدانية، يمكن الاستدلال على أن شيئاً لم ينتهِ بعد. إذن، أين توجد هذه القوات؟
1 - ينتشر القسم الأكبر من القوّات العسكرية الأفغانية في كابول، خصوصاً في محيط المطار.
2 - توجّه العديد من القيادات العسكرية المناهضة لـ»طالبان»، برفقة الجنود والتجهيزات العسكرية، إلى بانشير والمناطق الآمنة الأخرى.
3 - انتقل ما يزيد على 90 في المئة من الطائرات العسكرية والتجهيزات الجوية للجيش والطيّارين، إلى مناطق آمنة داخل أفغانستان وخارجها.
4 - ما عدا عدّة حالات خاصّة، فإن أيّ قائد عسكري أفغاني وقوّاته لم يستسلموا لـ»طالبان».
5 - كما قال أحمد مسعود، فإن الأفغان، وفي ضوء متابعة سياسات كرزاي وغني، أيقنوا بأن اليوم الموعود سيحين. لذلك، قاموا على مدى الأعوام العشرين الماضية بتخزين الذخيرة في المناطق الآمنة، ولا سيما بانشير، ولم يسلّموها لـ»طالبان».
عموماً، يبدو أن القوى السياسية آثرت، في الوقت الحاضر، الترقّب لترى ما إذا كانت «طالبان» ستلتزم بإطارٍ معقول للحوكمة، ولمعرفة نتيجة المحادثات وجهود اللاعبين السياسيين في مجال الانتقال السلمي إلى السلطة، وذلك من أجل تفادي تكرار الحروب الأهلية الدامية التي نشبت في التسعينيات من القرن الماضي. وبينما تشكّل «القيادة السياسية» أهم مكوّن في أفغانستان، فإن القوات العسكرية تبحث عن زعيم سياسي، يُسهم في كشف الصورة بشكل أكبر، لتقوم بناءً على ذلك بإعادة تموضعها ضمن مؤسّسات الدولة، أو لتنضمّ إلى «مقاومة» السلطة غير الشرعية، المتمثّلة بـ»طالبان».

* مديرة «مجموعة دراسات جنوب وشرق آسيا» في «معهد طهران للدراسات والأبحاث الدولية»