تتعدّد أهداف زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، «سي آي إي»، وليام بيرنز، لإسرائيل، وإن كانت إيران والمواجهة معها على رأس سلّم اهتماماته. الزيارة التي تُعدّ الأولى له منذ تولّيه منصبه، أريد لها في تل أبيب أن تتساوق مع تحريضها وتهديداتها للجانب الإيراني. وهي تهديدات تبدو واشنطن معنيّة بالانخراط فيها أيضاً، ولكن ليس إلى حدّ توريطها في مواجهة لا تقوى على تحمّل تداعياتها، فيما تسعى تل أبيب لاستدراجها إليها. ولا تختلف زيارة بيرنز كثيراً عن زيارات مَن سبقوه في المنصب لتل أبيب، على رغم أن لكلّ زيارة سياقاتها. وسياق الزيارة الحالية متشعّب الاتجاهات ومختلف المستويات، فيما أهمّ ما فيه تحديد مهمّة كلّ من الجانبين، الأميركي والإسرائيلي، في مرحلة مشبعة بالتهديدات، التي يمكن القول إنها تعاظمت إلى حدّ بات معه التحكّم بها واحتواؤها خارج قدرة الولايات المتحدة. هذا هو هدف الزيارة الرئيس، بغضّ النظر عمّا سيقال عنها في تل أبيب وواشنطن، وتحديداً في ما يتعلّق بإدخال ملفّات أخرى على جدول أعمالها، مِن مِثل العلاقة مع الجانب الفلسطيني، والمسيرة السياسية، والوضع الأمني في قطاع غزة والضفة الغربية، وقضايا القدس، وكذلك تطوّرات التطبيع مع أنظمة عربية، إضافة إلى العلاقة مع الصين وروسيا وغيرها من الملفات، التي لن تصل إلى أهمية الموضوع الإيراني، وتحديداً من ناحية إسرائيل، إلّا إن كانت هي أيضاً متّصلة بإيران، كما هو الوضع على الساحتين اللبنانية والسورية.والظاهر أن علنية الزيارة، والتغطية اللافتة لها، جزء لا يتجزّأ من أهدافها. وفي هذه الناحية، تتداخل المصلحة العامة مع الخاصة، ليخرج حضور بيرنز باعتباره «زيارة القرن»، خاصة أن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، لواشنطن تأجّلت أكثر من مرة، وهي حالياً موضع أخذ وردّ. وعلى هذه الخلفية، عُدّت زيارة بيرنز تعويضاً شكلياً، وإن كان مضمونها يتعلّق بمصلحة عامة، يبدو أن الاختلاف فيها واضح، على رغم أن إسرائيل، بمستواها السياسي الحالي، تبدو أكثر استعداداً للخضوع لإرادة الجانب الأميركي، قياساً بالحكومة السابقة. لكن، هل ستقتصر المباحثات على تبادل معلومات استخبارية وشرح مواقف، أم ستتجاوزهما إلى طلب التخادم وتنسيقه بما يحقّق مصلحتَي الجانبَين في مواجهة إيران، وإن مع الخلاف النسبي؟ في العنوان الذي اختاره الأميركيون، ثمّة تشديد على تعزيز التنسيق الاستخباري، وهو ما يشير إلى ضرورة «تصفير» تل أبيب أيّ خطوات مفاجئة قد تُقدِم عليها في مواجهة طهران، من دون «التنسيق» المسبق مع واشنطن، وذلك بهدف تلافي أيّ تداعيات سلبية لأيّ خطوة إسرائيلية من هذا النوع، وأيضاً تجنّب الانزلاق إلى مواجهة لا يريدها الأميركيون.
علنية الزيارة، والتغطية اللافتة لها، جزء لا يتجزّأ من أهدافها


على ذلك، يمكن القول إن كلّ ما يرتبط بالزيارة، فعلاً وقولاً وتسريبات وتعليقات، سيكون مُوجَّهاً لخدمة أهداف الطرفين بمواجهة إيران، وإن كان جزء منه متّصلاً باستعراض محاذير واشنطن ومحدّداتها المسبقة، لأيّ فعل قد تُقدِم عليه تل أبيب ومن شأنه توريط واشنطن. في المقابل، ستحرص إسرائيل على تصعيد مستوى التحريض ضدّ طهران، وصولاً إلى إقناع «المجتمع الدولي» بالتراجع عن مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي. وفي هذا السياق، ثمّة ترجيحات إعلامية إسرائيلية بأن إيران، بعد تسلّم الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي منصبه، ستُسرّع خطواتها نحو السلاح النووي، لا نحو العودة إلى الاتفاق. ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين (صحيفة هآرتس)، فإن فرص عودة إيران إلى «خطّة العمل المشتركة الشاملة» تراجعت بشكل كبير، بعد أداء اليمين الدستورية لرئيسي. أمّا الطرح الذي تحثّ تل أبيب عليه، فهو، وفق مصادر أمنية إسرائيلية، تنشيط «خطّة فعّالة لممارسة ضغوط دولية كبيرة من شأنها ردع إيران وإجبارها على وقف خططها النووية، بما يشمل تهديداً عسكرياً أميركياً ملموساً إلى جانب عقوبات اقتصادية ودبلوماسية كبيرة، الأمر الذي يؤدي إلى عزل إيران وتقويض محاولتها الانخراط في دول المنطقة، خصوصاً سوريا ولبنان». على أن تلك الخطّة، التي تُعدّ مزيداً من الشيء الفاشل نفسه، لا تجد آذاناً صاغية في واشنطن، وإن كانت تُسمع بين الحين والآخر هناك آراء «مسؤولة» عن أن إيران قد تكون غير معنيّة، بالفعل، بالعودة إلى اتفاق 2015. الأمر نفسه يُسمَع، لكن بقوّة نسبية، في طهران، فيما هو موضع قلق وخشية في تل أبيب، ليس لخطورته لذاته فحسب، بل لأن النجاح النووي الكامل لإيران سيدفعها إلى تعزيز قدراتها وقدرات حلفائها بصورة أشمل وأكثر منعة، ولأن شركاء إسرائيل، وفق ما تستشعره الأخيرة، غير مندفعين هذه المرّة للعمل ضدّ طهران، بمستوى دافعيّتهم الأولى التي أوصلت في السابق إلى اتفاق عام 2015.