اختير حسين أمير عبد اللهيان وزيراً للخارجية الإيرانية. الرجل الدبلوماسي، الذي يعمل تحت جناح المرشد الأعلى والحرس الثوري، عيّنه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بعد مفاضلات حصلت بين اسمه وعدد آخر من الأسماء؛ أبرزها: علي باقري كني وسعيد جليلي.

حصَّل عبد اللهيان، على طول مسيرته الديبلوماسية، خبرة خوّلته أخيراً للوصول الى مقعد وزارة الخارجية في ظرف تصارع فيه إيران على مستويات عدة إقليمياً ودولياً.
الضليع بالملفات العربية تحديداً، من أقصى الخليج الى لبنان، وصولاً الى فلسطين، جاء لما اعتبر مصداق التحليل السياسي الذي رأى أن رئيسي سيولي الملفات الإقليمية أولوية خارجياً وخصوصاً في العراق وأفغانستان، وبعدها تأتي الملفات الدولية الأبعد فالأبعد. وقد يكون هذا هو أحد الأسباب التي وضعت عبد اللهيان أخيراً، في المنصب الذي يعدّ الأهم في الحكومة، بعد رئيس الجمهورية.

المتحدث باللغتين الإنكليزية والعربية بطلاقة، فوق لغته الفارسية، تقلّد منذ عام 1992، أول منصب له كخبير سياسي، في وزارة الخارجية الإيرانية.
بعدها انتقل بين عدة مناصب متفرقة، ثم عيّن نائباً للسفير الإيراني في بغداد عام 1997، وبقي هناك حتى عام 2001. عامها انتقل الى مهمة جديدة مساعداً لوزير الخارجية (كمال خرازي) في شؤون الخليج. ثم من عام 2003 الى 2006 المساعد الخاص لوزيرَي الخارجية (خرازي ومنوشهر متكي) للشؤون العراقية. وبعدها نائب الوزير لشؤون الخليج والشرق الأوسط، وظل هناك الى أن انتقل الى عمله سفيراً لإيران في البحرين من عام 2007 الى 2010، ليعود الى سابق عهده مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الخليج والشرق الأوسط، ثم نائب وزير الخارجية محمد جواد ظريف من عام 2011 الى عام 2016، ليسجّل بنفسه أنه الشخص الوحيد الذي حافظ على منصبه مع وزيرين متتاليين، من علي أكبر صالحي الى جواد ظريف عام 2013.

ولعل أبرز محطاته المهنية كانت عندما تولى أولاً عضوية اللجنة السياسية والأمنية في المفاوضات النووية في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي، وثانياً حصوله على عضوية لجنة المفاوضات بين إيران وأميركا في بغداد عام 2007، للتباحث بالملف العراقي. وهو اللقاء الذي أخذ حيّزاً مهماً على الساحة العالمية والإقليمية، إذ حصل بشكل علني بعد قطيعة طويلة بين البلدين.

لم يترك عبد اللهيان وزارة الخارجية إلا في عام 2016 بعد اختلافات في الرؤى بينه وبين ظريف. وعندها أصبح مستشاراً أوّل للشؤون الدولية لرئيس البرلمان آنذاك علي لاريجاني. وظل في منصبه مع رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، وهو ما اعتبر دليلاً على الدعم الكبير الذي يلقاه عبد اللهيان داخل التيار المحافظ في الدولة.

من المؤكد أن وزير الخارجية الجديد، لن يكون مصدر إزعاج لرئيسي، وهو الذي اختاره لتوحّد منظورهما للعلاقات الخارجية، مع العلم بأن عبد اللهيان كان قد أبدى، قبل تسلمه منصبه رسمياً، بعض الآراء التي بيّنت التوجّه المرتقب للخارجية الإيرانية. فاعتبر الوزير الجديد أن المفاوضات مع الولايات المتحدة «لم تكن أبداً من المحرّمات»، وأنه سبق أن شارك من قبل في مفاوضات مع الولايات المتحدة. لكنه في الوقت نفسه، توقّع فشل محادثات فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني والدول الكبرى.

وحتى الآن، لم يتبيّن بعد إذا ما سيشارك الوزير الجديد بالملف النووي، إذ يعتمد ذلك على معرفة من سيقود المفاوضات النووية المقبلة. وهل سيبقى الملف عند وزارة الخارجية كما كان في عهد الرئيس حسن روحاني، أم سيعود الى المجلس الأعلى للأمن القومي.

ومثله، مثل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، يعتبر عبد اللهيان أن «الميدان والدبلوماسية» ركنان لتحقيق المصالح الوطنية. لا يختلف على الإطلاق عن نظرة الحرس الثوري في أبرز الأمور، وهو الذي لقّب سابقاً بـ«الدبلوماسي الثوري». ومعه، مما لا شك فيه أن مسار الأجهزة الدبلوماسية الإيرانية سيختلف عن مسار خلفه في المرونة السياسية.

مع العلم، بأن قول المرشد الأعلى حول وزارة الخارجية لا يزال حاضراً في أذهان الجميع: «مهمة وزارة الخارجية أن تنفّذ السياسات الخارجية للنظام دون أن تقرّرها». سيفعل عبد اللهيان ذلك، دون إشكال، ودون أن يوجع رأس أعمدة النظام الإيراني.