لم يَعُدْ ممكناً وقف التقدُّم الميداني لحركة «طالبان»، بعدما أضحى مقاتلوها على مشارف العاصمة كابول التي هدّدوا باقتحامها وإطاحة حكومة الرئيس أشرف غني، إذا لم يتمّ التوصّل إلى حلّ سياسي، يشير مراقبون إلى أن الحركة تعمل، منذ بدء انسحاب القوات الأجنبية في أيار الماضي، على تعطيله. وفي ظلّ التطوّرات المتسارعة، لا سيما في الشمال الأفغاني، ودعوة حكومة كابول سكان المناطق الواقعة تحت سيطرتها إلى «المقاومة الشعبية» دفاعاً عن «النسيج الديموقراطي» للبلاد، حسمت الولايات المتحدة مسألة عدم تدخُّلها لمصلحة حلفائها في العاصمة، على اعتبار أن «هذا بلدهم الذي يجب أن يدافعوا عنه. هذه معركتهم»، على حدّ تعبير الناطق باسم «البنتاغون»، جون كيربي.وتفضّل «طالبان»، على ما يظهر، فرْض شروطها على طاولة المفاوضات، متسلّحةً بالتقدُّم السريع لقواتها وسيطرة مسلّحيها على المزيد من المُدن والولايات الأفغانية، لا سيما في ظلّ تغيّر الواقع الميداني في شمال البلاد لمصلحة الحركة التي باتت تسيطر على خمسٍ من عواصم الولايات التسع، بعد استيلائها على مدينة قندوز الكبيرة (شمال شرق)، وكذلك على مدينتَي ساري بول وطالقان في غضون ساعات قليلة، وضمّها إلى قائمتها مدينة أيبك، عاصمة إقليم سمنكان الواقعة على الطريق الرئيس بين مزار الشريف وكابول، والتي سقطت من دون أيّ مقاومة من جانب قوات الأمن الأفغانية. وبعدما ظلّ شمال أفغانستان، لسنوات، الأكثر هدوءاً في البلاد، وسط غياب شبه تام لعناصر «طالبان»، باتت استراتيجية هذه الأخيرة تقتضي التمدُّد في الشمال كما في المعابر الحدودية الرئيسة، لتضييق الخناق على العاصمة كابول.
سيشكّل سقوط مزار الشريف ضربة قاسية جداً ستسرّع من سقوط السلطة المركزية

من هنا، تأتي مساعي الحركة إلى السيطرة على مزار الشريف، كبرى مدن الشمال وعاصمة ولاية بلخ، حيث عزّزت مواقعها. وتُعدّ هذه المدينة التاريخية مفترق طرق تجاري مهمّ، فضلاً عن أنها من الدعائم التي استندت إليها الحكومة للسيطرة على شمال البلاد، فيما سيشكّل سقوطها، لو حصل، ضربة قاسية جداً، ستسرّع من سقوط السلطة المركزية. كذلك، تشكّل سيطرة «طالبان» على قندوز الواقعة على مسافة 300 كيلومتر شمال كابول، مفترق الطرق الاستراتيجي في الشمال الأفغاني بين كابول وطاجيكستان، أكبر نجاح عسكري لمقاتلي الحركة منذ بدء الهجوم الذي شنته في أيار، توازياً مع بدء انسحاب القوات الدولية الذي يُتوقع أن ينتهي بحلول 31 آب الجاري. وفي حين أثبتت قوات الأمن الأفغانية عدم قدرتها على وقف هجوم «طالبان» في الشمال، فإنها مستمرّة في مواجهة مقاتليها في قندهار ولشكركاه، وهما معقلان تاريخيان للحركة في الجنوب، وكذلك في هرات في غرب البلاد.
سياسياً، انطلق في العاصمة القطرية الدوحة، أمس، اجتماع الترويكا الدولية (روسيا والولايات المتحدة والصين وباكستان) حول أفغانستان لبحث آخر تطورات الملفّ الأفغاني في ظلّ التحولات الأخيرة المتسارعة على الأرض. وفي تطوّر متّصل، التقى وزير الخارجية الأفغاني حنيف أتمر، المبعوث الإيراني الخاص إلى أفغانستان إبراهيم طاهريان، لبحث آخر التطوّرات الأمنية في البلاد. وقالت وزارة الخارجية الأفغانية، في بيان، إن أتمر أشاد بنتائج الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي، واعتبرها مهمّة لإنهاء العنف وإيجاد حلّ سياسي في أفغانستان، مرحّباً بما سمّاه «الدور البَناء» للدول الإقليمية والدولية، لا سيما إيران في وقف هجمات «طالبان» وإقناع الحركة بالعودة إلى طاولة المفاوضات. من جهته، عبّر طاهريان عن قلقه إزاء الوضع الأمني في أفغانستان، مؤكداً استعداد طهران لتعاون شامل مع كابول.