طهران | أقيم، أمس، حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، بحضور المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، الذي صادق على قرار التنصيب، ليصبح رئيسي بذلك الرئيس الثامن لإيران، خلَفاً لحسن روحاني.وشارك في المراسم، بالإضافة إلى المرشد الأعلى، رؤساء السلطات الثلاث، ورئيس "مجلس صيانة الدستور"، ورئيس "مجمّع تشخيص مصلحة النظام"، والرئيس السابق مع عدد من وزراء حكومته المنتهية ولايتها، إلى جانب عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين وقيادات عسكرية. وسيُقام حفل أداء رئيسي اليمين الدستورية، غداً الخميس في البرلمان، بينما أمامه، بحسب القانون، مهلة أقصاها أسبوعان للإعلان عن أسماء وزرائه، وتقديمهم إلى البرلمان لنيل الثقة. ولكن أفيد عن احتمال تقديم رئيسي هذه القائمة غداً، بالتزامن مع أدائه اليمين.
ويتولّى الرئيس الجديد مهامّه في وقت تُواجه فيه إيران أحد أصعب الظروف وأكثرها حساسية، بعد الثورة. فالاقتصاد، الذي يُعدّ نقطة ارتكاز حكومة رئيسي، على حدّ تعبيره، يمرّ اليوم بأسوأ حالاته، حيث التضخّم يزيد عن 50 في المئة، والنموّ الاقتصادي قريب من صفر في المئة، والعملة الوطنية تُسجّل تراجعاً متزايداً، فضلاً عن زيادة الفوارق الطبقية. وتسبّب تفاقم الوضع الاقتصادي، خلال السنوات الأخيرة، بتذمّر مجتمعي، خصوصاً بين الشرائح المحدودة الدخل، والتي تعدّ من أقوى داعمي النظام. ومن هنا، اعتبر رئيسي، في كلمته خلال حفل تنصيبه، أن "الشعب أراد تغيير الوضع الحالي، من خلال المشاركة في الانتخابات"، مشيراً إلى أن "الوضع المعيشي للمواطنين ليس جيداً"، مشدّداً على ضرورة "إيجاد حلول للأزمات والمشكلات الاقتصادية". كذلك، لفت إلى أنه "إضافة إلى تضرّر الوضع المعيشي، فإن ثقة المواطنين بالحكومة أيضاً متضرّرة"، واعداً بأن حكومته "ستعمل على تغيير الوضع، بناءً على رؤية المرشد". بدوره، دعا خامنئي الحكومة الجديدة إلى مكافحة الفساد والتهرّب الضريبي ومعالجة الملفّات الاقتصادية، مستدركاً بأن "حلّ هذه الأزمات لا يتحقّق على المدى القصير". ويأمل رئيسي، من خلال العمل على تحسين الوضع الاقتصادي، تقليص الاستياء العام، وردم الهوّة بين الشعب والحكومة. إلّا أنه يواجه، في هذا، عقبات كبيرة، أهمّها نقص الموارد المالية للحكومة، واستمرار الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأميركية. ولذا، تعهّد بـ"(أننا) سنعمل على رفع العقوبات عن إيران، لكننا لا نربط الملفّات الاقتصادية بالعقوبات".
يتمّ تداول اسم حسين أمير عبد اللهيان وعلي باقري كني كمرشّحَين لتولّي حقيبة الخارجية


وليس بعيداً من مسألة العقوبات، تقابل إدارة رئيسي وضعاً صعباً على مستوى العلاقات الخارجية، ولا سيما أن الملفّ النووي الإيراني لم يُحسم بعد، في وقت يعتبر فيه المرشد الأعلى، وطيفٌ سياسيٌّ واسع، أن تجربة الاتفاق النووي مع الغرب كانت فاشلة. ونظراً إلى أجواء التشاؤم وفقدان الثقة السائدة بين طهران وواشنطن، والطريق المسدود الذي يبدو أن محادثات فيينا وصلت إليه، وقرْب إدارة رئيسي من رؤى خامنئي، فإن من المستبعد أن يطرأ تغيّر على علاقات إيران مع الغرب، بل من المرجّح أن تتصاعد التوتّرات بينهما. وهو سيناريو تُعزّزه، أيضاً، التطوّرات الأخيرة، بعد اتّهام أميركا وإسرائيل وبريطانيا، إيران، بالضلوع في الهجوم على ناقلة النفط "مرسر استريت" التابعة لإسرائيل في خلیج عمان، ليكون ذلك واحداً من آخر المؤشّرات إلى أن رئيسي سيبدأ عمله في ظلّ ظروف خاصّة ومتشنّجة.
عموماً، يمكن القول إنه مع مجيئه إلى السلطة، فإن عهداً جديداً سيبدأ في إيران، يبدو من أبرز ملامحه قرْب الحكومة من توجّهات المرشد الأعلى والحرس الثوري. ولعلّ أبلغ تعبير عن ذلك، قوله، خلال حفل تنصيبه، "إننا أينما تغافلنا عن نصائح المرشد الأعلى والخطّ الثوري، تعرّضنا للمشاكل". وكان رئيسي يشغل، قبل فوزه بالرئاسة، منصب رئيس السلطة القضائية، الذي عُيّن فيه من قِبَل خامنئي، كما يُعدّ "التيار الأصولي" الداعم الأوّل له. وبناءً على ما يتمّ تداوله، فستتشكّل النواة الرئيسة لحكومته من قوى "التيّار الأصولي"، والشخصيات الموثوق بها من المرشد الأعلى والحرس الثوري. وعلى رأس قائمة هؤلاء يأتي محمد مخبر، الذي قد يُعيّن نائباً أول لرئيس الجمهورية. ويتولّى مخبر، منذ 14 عاماً، منصب رئيس "اللجنة التنفيذية لأمر الإمام الخميني"، وهي واحدة من المؤسّسات الاقتصادية الأساسية الخاضعة لإشراف المرشد الأعلى، ويعدّ إنتاج لقاح "كورونا" واحداً من مئات المشاريع التي تنفّذها. وعمل مخبر، قبلها، في "مؤسّسة المستضعفين"، وهي مؤسّسة ثانية خاضعة لإشراف خامنئي. أيضاً، يتمّ تداول اسم حسين أمير عبد اللهيان، المستشار الخاص لرئيس البرلمان في الشؤون الدولية، وعلي باقري كني، مساعد السلطة القضائية للشؤون الدولية، كمرشّحَين لتولّي حقيبة الخارجية، وكلاهما من الشخصيات القريبة من الحرس الثوري. ومن هذا المنطلق، يمكن التكهّن بأن العهد الجديد سيشهد انسجاماً أكبر بين "الميدان" و"الدبلوماسية"، خلافاً لما شهده العهد السابق، والذي كان قد تحدّث عنه وزير الخارجية المنتهية ولايته، محمد جواد ظريف، في تسجيله الصوتي المُسرّب أخيراً. وفيما يُتوقّع أن يتمّ وضع توجّهات الاقتصاد المُنتِج والمقاوِم كأولوية، على صعيد الداخل، تأسيساً على الابتعاد عن العلاقات مع الغرب، والتقرّب من روسيا والصين، ستكون في أعلى سلّم الأولويات، في مواجهة الخارج، توجّهات أمنية قائمة على الردع والقوّة الصلبة والساخنة.