طهران | الخميس المقبل، يتولّى إبراهيم رئيسي مهام عمله كرئيس للجمهورية الإسلامية، خَلَفاً لحسن روحاني، متسلّماً بذلك أكثر الملفّات سخونة: محادثات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي، والتي تعدّ التركة الأهم من الحكومة السابقة. محادثات تبدو وكأنّها وصلت إلى أفق مسدود، في وقت تشير القرائن والمواقف إلى أن احتمالات إحياء الاتفاق تتضاءل، يوماً بعد يوم، في ظلّ ظهور عقبات يصعب تذليلها. وحتى الآن، لم تُحقّق ستّ جولات من المحادثات هدفها الرئيس، المتمثّل في رفع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، مقابل عودة البرنامج النووي الإيراني إلى القيود السابقة. وبينما عُلّقت الجولة السابعة بسبب انتقال السلطة في إيران، لا يبدو أن هناك أيّ بوادر لإمكانية إجرائها.وفي أوضح دلالة على ذلك، تأتي التصريحات الأخيرة الصادرة عن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، والتي أوحت بأن الخلاف ومنسوب عدم الثقة، القائمين بين طهران وواشنطن، لا يزالان مرتفعَين جداً. إذ انتقد خامنئي، خلال آخر لقاء له مع أعضاء حكومة روحاني، قبل يومين، تعويل هذه الحكومة على الغرب. وقال في معرض إشارته إلى محادثات فيينا، إن «الأميركيين يلحّون أيّما إلحاح في هذه المحادثات على موقفهم المعاند، ولم يقوموا بخطوة واحدة إلى الأمام حتى». وأضاف أن «الأميركيين يقولون ويَعِدون بأنهم سيرفعون العقوبات، لكنهم لم يرفعوا العقوبات ولن يرفعوها».
وبعد ساعات من تصريحات خامنئي، نشر الموقع الإلكتروني لمكتبه مقابلة مع مندوب إيران لدى «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية»، كاظم غريب أبادي، قدّم فيها تفاصيل لما وصفه المرشد الأعلى بـ»الموقف المعاند» لأميركا في محادثات فيينا. وأماط غريب أبادي اللثام عن الخلافات الواسعة بين طهران وواشنطن، مُظهراً أن احتمالات تسوية الخلافات بين الطرفَين، ضئيلة وصعبة. وقال إن «الأميركيين لم يقبلوا في محادثات إعادة إحياء الاتفاق النووي، الكثير من مطالب إيران، ووضعوا شروطاً لرفع بعض العقوبات». كذلك، أشار غريب أبادي إلى أن واشنطن ربطت موافقتها على سحب اسم الحرس الثوري من قائمة «المجموعات الإرهابية»، بقبول إيران ببندٍ يقضي بإجراء محادثات مستقبلية بشأن «القضايا الإقليمية»، الأمر الذي «لا علاقة له بموضوع المحادثات، كما ينطوي على أضرار»، على حدّ تعبيره. كما لفت المندوب الإيراني إلى وضع شرط مرتبط بدور بلاده في المنطقة، في حين لم توافق أميركا على العديد من المطالب الإيرانية، بما في ذلك:
1 - إلغاء الأمر التنفيذي لحظر الأسلحة التقليدية الذي تقول طهران إنه يخالف القرار 2231 لمجلس الأمن الدولي في شأن تنفيذ الاتفاق النووي.
2 - رفع العقوبات عن أكثر من 500 شخص ممّن فُرضت عليهم هذه العقوبات، إبّان إدارة الرئيس دونالد ترامب، لأسباب غير نووية.
3 - إلغاء قانون عقوبات «كاتسا» (قانون التصدّي لأعداء أميركا عن طريق العقوبات).
4 - إعطاء ضمانات بعدم انسحاب أميركا ثانية من الاتفاق النووي في المستقبل، حتى لـ»فترة زمنية معقولة».
5 - مناقشة الخسائر التي لحقت بإيران، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
6 - قبول فترة زمنية للتحقّق والتأكد، بعد رفع العقوبات الأميركية.
ما هو واضح أن إدارة رئيسي لا تنظر بشكل إيجابي إلى فكرة التعاون مع الغرب


على الضفّة الأميركية، تظهر لدى تصريحات ومواقف في الاتجاه «التشاؤمي» نفسه. إذ اتهم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أول من أمس، طهران، بالمماطلة في المضيّ قُدُماً في المفاوضات. وقال إن «المحادثات مع إيران في فيينا لا يمكن أن تستمرّ إلى ما لا نهاية، والكرة الآن في ملعبها». كذلك، حذّر مسؤول أميركي رفيع المستوى، في حوار مع موقع «إكسيوس»، من أنه «إذا لم تقبل طهران بالاقتراح الذي قُدّم في فيينا، فإن واشنطن لن تقدّم مزيداً من التنازلات». وأضاف أن «الفرصة للتوصّل إلى اتفاق لن تكون متاحة لفترة طويلة، وإن كانت طهران تريد التوافق، عليها أن تعود إلى طاولة المفاوضات». وجاء هذا في وقت أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن «الولايات المتحدة تخطّط لفرض عقوبات على إيران تستهدف قدراتها في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجّهة».
في خضمّ ذلك، تتّجه معظم الأنظار في الوقت الحالي نحو إيران، والتغييرات التي ستطرأ على الفريق النووي المفاوِض، مع مجيء الإدارة الجديدة. وفي هذا السياق، تلوح تساؤلات عمّا إذا كانت طهران ستواصل المحادثات وفق الأجندة السابقة، أم أن الوضع سيعود إلى النقطة صفر مع تغيّر التوجّهات. وما هو واضح، إلى الآن، أن إدارة رئيسي المنبثقة من «التيار الأصولي»، لا تنظر بشكل إيجابي إلى فكرة التعاون مع الغرب، كما أنها أقرب إلى رؤى المرشد الأعلى، المتمثّلة في عدم الثقة بالغرب وضرورة مقاومة الضغوط، والتوجّه أكثر نحو روسيا والصين.
على العموم، يبدو أنّ طهران وواشنطن وصلتا إلى نقطة يطرح فيها كلّ منهما الحدّ الأقصى من المطالب، من أجل الحصول على المزيد من التنازلات من الطرف الآخر، بينما يمنح هو الحدّ الأدنى منها. وقد بلغ تشاؤم الطرفَين حدّاً جعل من الصعب إيجاد قاسم مشترك بينهما. وعلى الرغم من أن إيران ستجني فوائد كثيرة من رفع العقوبات، لا سيما أن إدارة رئيسي بحاجة إلى مصادر تمويل، إلّا أنها لا تثق بأن أميركا لن تعمل على مواصلة الضغوط للحصول على تنازلات في القضايا الأخرى. وعلى هذا الصعيد، يتمثّل هاجس إيران الأكبر، في عدم تكرار تجربة انسحاب أميركا من «خطّة العمل المشتركة الشاملة».


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا