تواجه تركيا تحدّيات جمّة تتعلّق باللاجئين الأجانب، وفي مقدِّم هؤلاء الآتون من سوريا وأفغانستان. ومع أن الأفغان كانوا يشكّلون جزءاً كبيراً من اللاجئين القادمين إلى تركيا، لكنّ المشكلة تُنذر بالتعاظم في ظلّ انسحاب قوات «حلف شمال الأطلسي»، والخشية من تحوُّل المعارك الجارية بين حركة «طالبان» والقوات الأفغانية إلى حرب أهلية، يحتمل أن ينجم عنها موجات هجرة جديدة وكبيرة إلى خارج البلاد، سواء إلى إيران أو عبرها إلى تركيا، ومنها أيضاً إلى القارة الأوروبية، إذ تشير التقديرات الأوليّة إلى موجة جديدة لن تقلّ عن ثلاثة ملايين لاجئ. وضمن هذا الإطار، أشادت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قبل أيّام، بدور تركيا في تأمين ملجأ للاجئين السوريين، مبديةً رغبتها في أن تواصل أنقرة القيام بهذا «الدور الإنساني». لكن تصريح المستشار النمسوي، سيباستيان كورتز، الذي اعتبر فيه أن المكان المناسب للاجئين الأفغان هو تركيا، كان له وقع آخر على الرأي العام في هذا البلد. وقال كورتز: «في حال اضطرّ الناس إلى الفرار، فأنا بالتأكيد أرى البلدان المجاورة مثل تركيا، أو المناطق الآمنة في أفغانستان، على أنها المكان المناسب، بدلاً من أن يأتي الجميع إلى النمسا أو ألمانيا أو السويد». تصريحٌ لاقى انتقاداً حادّاً من جانب الناطق باسم وزارة الخارجية التركية، طانجو بيلغيتش، الذي قال: «(إننا) نواجه بدهشة تصريحات كورتز. تركيا لن تستقبل ولا تتحمّل موجات جديدة من الهجرة. وتركيا ليست حارس حدود للاتحاد الأوروبي، وليست معسكراً للاجئين». ويحضّر التكتُّل، وفق مصادر في بروكسل تحدّثت إلى صحيفة «قرار» التركية، مساعدة مالية إضافية لتركيا تُقدَّر بثلاثة مليارات ونصف مليار يورو، حتى عام 2024، لتواجه مشكلة اللاجئين. كذلك، لقيت تصريحات كورتز اعتراضات من جانب المعارضة التركية. واعتبر النائب ومستشار رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، إردوغان طوبراق، أن أولوية بلاده ليست حماية حدود الاتحاد الأوروبي، بل حدودها «من اللاجئين والمهرّبين وتجّار الرقيق». وقال النائب عن الحزب، أنغين أوز غوتش، إن تركيا ليست «مستودعاً للمهاجرين»، فيما ذكّر النائب «الجمهوري» أيضاً، أوزغور أوزيل، بأن الاتحاد الأوروبي يرفض ضمّ تركيا إلى عضويته، لكنه يستخدمها كـ«منطقة عازلة» وفق معادلة «خذوا المال وافتحوا الحدود أمام الاجئين». من جهته، وصف رئيس الحزب، كمال كيليتشدار أوغلو، المساعدة الأوروبية بأنها «رشوة»، قائلاً: «اليوم نواجه أزمة لاجئين أفغان. ومن أجل صوتَين في انتخابات إسطنبول، لا تنبس الحكومة ببنت شفة حيال أزمة اللاجئين. وفي هذا ضحيتان: الشعب التركي واللاجئون الأفغان. إن الغرب يبيع رفاهية شعبنا بالمال الذي يعطيه للسلطة». وفي حين دعا كيليتشدار أوغلو الشعب إلى الانتفاض ضدّ «الإمبريالية» وإسقاط السلطة القائمة، لفت ياسين آقتاي - المقرّب من إردوغان - إلى أنه حتى لو تغيّرت السلطة الحالية، فَمِن غير الممكن إعادة اللاجئين إلى بلادهم بالسهولة التي يظنّها البعض، كونهم يتمتّعون بواقع قانوني محدَّد، إذ لا يمكن إعادة أيّ لاجئ ما لم يرتكب جرماً غير قانوني. أما رئيس بلدية هاتاي (الإسكندرون)، لطفي سافاش، المعارض لسياسات الدولة، فقال إن عدد السوريين في المحافظة، وفقاً للأرقام الرسمية، يناهز نصف مليون لاجئ، لكنّ العدد أكبر من ذلك بكثير، ويكفي أن مدينة الريحانية التي كانت تستضيف 80 ألفاً قبل الحرب، باتت تضم أكثر من 230 ألف لاجئ.
تُعتبر تركيا من بين الدول القليلة في أوروبا التي ليس فيها وزارة للهجرة


وفي إطار ما سبق، نبّه إبراهيم كيراس، في مقالة لصحيفة «قرار»، إلى أن تركيا من بين الدول القليلة في أوروبا التي ليس فيها وزارة للهجرة، منتقداً دول الاتحاد التي لم تطوّر سياسات خاصة بمسألة المهاجرين، إذ تكتفي بـ«خطّة دفع المال ليبقى اللاجئون في تركيا»، صاباً غضبه على المستشار النمسوي، ومتسائلاً: «مَن الذي يعطيه الحقّ في قول إن تركيا هي المكان المناسب للاجئين الأفغان». وأبدت الكاتبة المعروفة نيغيهان آلتشي، في مقالة لصحيفة «خبر تورك» قبل أيام بعنوان «لنقْبل بالواقع: اللاجئون ليسوا ضيوفاً بل هم جزء من تركيا»، قلقها إزاء النزعة العرقية والكراهية اللتين تواجَه بهما مسألة اللاجئين، في مجتمع تسيطر عليه موجة نفور عالية من اللاجئين، تنسحب على كل الأحزاب، من «العدالة والتنمية» إلى «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» و«الحزب الجيّد». وبحسب الكاتبة، فإن الكراهية موجودة لدى معظم الصحافيين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مشبهةً إياها بـ«موجة الكراهية التي كانت تُكنّ للعلويين قبل سنوات الثمانينيات». واللافت أن من بين المعادين للاجئين يساريين وليبراليين يعملون على خطط لطرد ما يناهز خمسة ملايين نسمة. ولا تخصّ الكاتبة هنا اللاجئين السوريين فقط، علماً أن عددهم يقارب ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ، داعية الدولة إلى أن تقوم بنقد ذاتي وأن يعادَ النظر في سياسات الدمج. وشنّت آلتشي هجوماً حاداً على زعيم المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو، معتبرةً أنه «ليس إنساناً... جلّ ما يهمه هو الحسابات الانتخابية الرئاسية لعام 2023». ودافعت عن بقاء اللاجئين في تركيا، قائلة إن «أحداً لا يمكنه أن يُجبَر على ترك البلاد إذا لم يكن راغباً في ذلك. ولا فرق أخلاقياً بين أن تطرد الأتراك ممَّن يعيشون على النمط العلماني وبين طرد اللاجئين. ولا بين طرد الأكراد أو المتدينين من الأتراك وبين طرد اللاجئين. فهؤلاء، ومن أيّ بلدٍ أتوا، ينتجون ويعملون من أجل تركيا، فيما تعكس الدراسات العلمية التي أجراها البعض المساهمات الإيجابية للاجئين في الاقتصاد التركي». ودعت إلى انتقاد سياسات الحكومات المتّصلة باللاجئين ليس لجهة وجودهم، بل لجهة الثغرات في سياسة عدم إدماجهم بالكامل في المجتمع، متسائلةً: «لماذا لم يتعلّم هؤلاء اللغة التركية، ولماذا يعيشون حتى الآن في ما يشبه الغيتوات؟ كان يجب فعل كل ذلك وعدم ترك الأمور تجري على عواهنها... وبالتأكيد، على الحكومة أن تفتح أبوابها أمام اللاجئين الأفغان الهاربين من طالبان. والمهم ألّا تكون الهجرة غير شرعية وبلا تنظيم. وعلى إدارة الهجرة أن تعطي بطاقة قانونية ليكون جميع المهاجرين القادمين تحت الرقابة وضمن النظام». وتعكس مقالة آلتشي مناخاً في أوساط السلطة التركية، ولكن مثل هذه الكتابات والدعوات تشجّع اللاجئين على البقاء، بل وتستدرج المزيد منهم ليس إلى تركيا فحسب، بل إلى البلدان المجاورة، ومنها لبنان.