طهران | فرض تقدُّم حركة «طالبان» على طول الجغرافيا الأفغانية، وتمدُّدها مع بدء انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، واقعاً جديداً في إيران، البلد الذي له حدود مشتركة تبلغ 930 كيلومتراً مع جارته الشرقية. وهو تطوّر حمل معه واقعاً أمنياً جديداً وحسّاساً، وضع الجمهورية الإسلامية أمام خيارٍ من اثنيْن: فإمّا قبول «طالبان» كقوّة أمر واقع، أو الدخول في مواجهة معها. ولكن يبدو أن طهران ركنت إلى الخيار الأوّل، خصوصاً في ظلّ استضافتها محادثات بين الحركة وحكومة كابول، لدفعهما إلى تبنّي نهج من التعاون في ما بينهما. ومن المفارقات التي يمكن التوقُّف عندها والتأمُّل فيها، أن سقوط نظام «طالبان»، على يد الغزاة الأميركيين في عام 2001، نزل برداً وسلاماً على طهران، التي اعتبرت، في حينه، أن دحر الحركة يعود بالفائدة على أمنها. على هذه الخلفية، اختارت الجمهورية الإسلامية، على مدى العقدَيْن الأخيرَيْن، دعمَ الحكومة المركزية في كابول، جنباً إلى جنبِ معارضة الوجود الأميركي في أفغانستان. ومع ذلك، يبدو أنّ تنامي نفوذ «طالبان» التي تمكّنت من الاستيلاء على أكثر من نصف مساحة البلد، في السنوات الأخيرة، دفع إيران إلى التواصل مع المجموعة، فكان أن أعلن وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، أن بلاده لم تُخرِج «طالبان» من قائمة المجموعات الإرهابية، لكنّها تجري معها محادثات. وفي السياق ذاته، زارت وفود من الحركة طهران، على مدى الأشهر الأخيرة، حيث عُقدت لقاءات ومحادثات مع المسؤولين الإيرانيين. كما استضافت وزارة الخارجية الإيرانية، خلال اليومين الماضيين، ممثّلين عن الحركة والحكومة، ضمن اجتماع سياسي بعنوان «الحوار بين الأطراف الأفغانيين».

تفاوت رؤى في طهران
برزت رؤى مختلفة في إيران حيال التطوّرات التي تشهدها جارتها الشرقية؛ وعلى الرغم من أن السياسة الرسمية للدولة تتمثّل في حماية المصالحة ودفع الحوار بين «طالبان» والحكومة قُدُماً، إلّا أن ثمّة شكوكاً كبيرة في شأن تقيُّد الحركة بالسلام، وقبولها إشراك الأطراف الفاعلين في السلطة، وما إذا كان الحوار المفروض ذا جدوى أساساً. وفي هذا الإطار، تقول سمية مروتي، مديرة «مجموعة دراسات جنوب وشرق آسيا» في «معهد طهران للدراسات والأبحاث الدولية»، لـ«الأخبار»، إن هناك توجّهين في إيران حيال التطورات في أفغانستان. فمن جهة، يدعو البعض إلى تقبُّل «طالبان» والتعاون معها، فيما يعارض آخرون أيّ تعاون مع الحركة، من جهة ثانية. وترى الفئة الأولى، وفق مروتي، أنه «نظراً إلى أن طالبان تشكّل القوة المتفوّقة، أو على الأقل ذات التأثير الأكبر في أفغانستان، وتقيم القوى المختلفة تواصلاً معها، فإنّ طهران، ومن أجل حماية مصالحها وأمنها القومي، لا بدّ أن تقبل بإجراء المحادثات معها»، فيما تذهب الفئة الثانية إلى رفض «الدخول في حوار مع أنصار الإسلام المتطرّف ممَّن جلبوا المعاناة للشعب الأفغاني، وتسبّبوا بأثمان أمنية وسياسية مرتفعة على إيران». وتوضح أن هؤلاء يرَوْن أن الحوار القائم «يؤدّي إلى تقويض الحكومة الأفغانية وزيادة الثقة بالنفس لدى طالبان، والنيل من المصداقية الدولية لإيران». ومع ذلك، تؤكّد الخبيرة في الشؤون الأفغانية، أنه «من الصعب فهْم السياسة الإيرانية تجاه طالبان»، خصوصاً أن «العديد من المؤسّسات الإيرانية تتعاطى مع هذا الملف، كما أن العمل الموازي وغياب سياسة منسجمة واستراتيجية متكاملة، يشكّلان تحدياً أمام سياستنا الخارجية في هذا المجال». وإذ تلفت إلى أن «السياسة الرسمية الإيرانية تتمثّل في دعم الحكومة المركزية»، تقول مروتي إن «الحوار مع طالبان، يفضي إلى إضعاف السياسة المعلنة لإيران».
يدعو البعض في طهران إلى تقبُّل «طالبان» والتعاون معها، فيما يعارض آخرون هذا التوجّه


بناءً على ما تقدّم، تخلص الخبيرة الإيرانية إلى القول إن «الترابط بين المجموعات المتطرّفة في أفغانستان يشكّل أحد أكبر التحدّيات لطهران وللمنطقة»، معتبرة، في الوقت ذاته، أن «انحسار الأزمة في سوريا والعراق، يفضي إلى تحوّل أفغانستان، مرّة أخرى، إلى ملاذٍ للمجموعات الإرهابية».

قلق من العامل الأميركي
في غضون ذلك، تزايدت النقاشات في شأن هدف الحركة ومشروعها النهائي، وما إذا كانت بصدد الإمساك بالسلطة. ويتّجه البعض إلى البحث في العلاقة بين سياسات الولايات المتحدة وتوجّهات «طالبان»، وتأثير ذلك على خصوم واشنطن، وعلى رأسهم طهران. وفي هذا الإطار، يذهب الخبير في الشؤون الأفغانية وشبه القارة الهندية، بير محمد ملازهي، إلى اعتبار «طالبان مجموعة شموليّة مذهبية وعرقية، هدفها النهائي الإمساك بالسلطة بشكل كامل»، مشيراً إلى أن «توجّهاتها الإيديولوجية والشمولية لم تتغيّر، على رغم اعتمادها بعض التغييرات التكتيكية». ويقول ملازهي، لـ«الأخبار»، إنه «يجب تقييم إجراءات طالبان في إطار الاتفاق الموقّع بينها وبين واشنطن»، مضيفاً أن «هذه الإجراءات تُتَّخذ بالتزامن مع انسحاب القوات الأميركية، وبضوء أخضر من واشنطن، لكي تصل طالبان في نهاية المطاف إلى السلطة، ولتمارس بذلك الضغط على منافسي الولايات المتحدة، أي روسيا والصين وإيران». وبحسب الخبير الإيراني، تعمل الحركة، في المرحلة الحالية، على «ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة المركزية، حتى تدفعها إلى القبول بتسلُّم حكومة موقّتة زمام الأمور، تكون لطالبان الأغلبيّة فيها، ومن أبرز مهماتها إجراء الانتخابات». ومن هذا المنطلق، يرى ملازهي أنه «نظراً إلى الخلافات القائمة بين الرئيس الأفغاني، أشرف غني، ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة، عبد الله عبد الله، فمن المرجّح أن تفوز طالبان في الانتخابات». وعندها، يضيف، ستتابع الحركة «هدفها الرئيس المتمثّل في تأسيس إمارة إسلامية». لذا، فإن «مصلحة إيران تقتضي أن تتولّى السلطة في كابول حكومة يترسّخ فيها التوازن العرقي، على أن يحصل نوع من توزيع الأدوار، ويجري تثبيت ذلك في الدستور».