لم يَعُدْ احتمال سقوط أفغانستان بيد «طالبان» يُقلق الولايات المتحدة، كما في السابق؛ فالأخيرة استفاقت - متأخرةً - على واقع أن البلد الذي دخلته قوّة «محرّرة» من قبضة الحركة قبل 20 عاماً، لن يدور إلى الأبد في مدارها، بل يُحتمل، والحال هذه، أن يعود إلى النقطة الصفر، حيث تعود «طالبان» قوّة أولى وربّما وحيدة في ما لو تسنّى لها ما رغِبت. والواقع يشير أيضاً إلى أن النظام الذي أرسته واشنطن في كابول، لن يصلح لاستكمال المسيرة مِن بعدها، وإنْ وعدته بأن الأحوال ستكون على ما يرام، وبأن انسحابها من هذا البلد لا يعني، بأيّ شكل، وقف الدعم المقدَّم إليه. تلك تطمينات سعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى بثّها، لدى استقباله، في نهاية الأسبوع الماضي، نظيره الأفغاني أشرف غني، في زيارةٍ «وداعية» إلى البيت الأبيض، بينما تواصل «طالبان» توسيع مناطق سيطرتها، في خضمّ فشل مفاوضات السلام مع حكومة كابول في إحداث أيّ اختراق على مستوى إدارة السلطة وشكلها بعد إتمام انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، في أيلول المقبل.وفي حين لا تُبدي الولايات المتحدة، حتى الآن، اهتماماً بمآل هذا التوسُّع، الذي توقَّعت أجهزة الاستخبارات الأميركية أن يُستكمل في غضون ستة أشهر من بدء الانسحاب، لوّحت باكستان، الراعي الأوّل لـ«طالبان»، باحتمال إغلاق حدودها مع أفغانستان في ما لو آلت مقاليد الحُكم فيها إلى الحركة، خشيةَ تدفُّق مزيد من اللاجئين إلى هذا البلد الذي يستضيف أصلاً 3.5 ملايين لاجئ أفغاني، وفق تصريحات أدلى بها، أخيراً، وزير الخارجية الباكستاني، محمود قرشي، الذي لفت إلى أن على بلاده أن «تحمي مصلحتها الوطنية». وتوحي حملة «طالبان» بأزمة تنتظر الحكومة بعد إتمام انسحاب قوات «حلف شمال الأطلسي»، خصوصاً بعد سيطرتها على عشرات المديريات في شمال البلاد وجنوبها، واحتمال تمدُّدها إلى العاصمة كابول، مع ما يعنيه ذلك من تحوّل أفغانستان إلى ساحة حربٍ مفتوحة، تهدِّد استقرار دول الجوار، وخصوصاً باكستان وإيران وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان (سيطرت الحركة، أخيراً، على معبر حدودي رئيس مع طاجيكستان في الشمال ومناطق أخرى محيطة بمدينة قندوز، فارضةً حصاراً فعلياً على المدينة). ومن هذه الزاوية، يمكن قراءة المخاوف الباكستانية التي عبّر عنها وزير الخارجية قبل أيّام، وتهديده بإغلاق الحدود بين البلدين. وسعى الوزير أيضاً إلى غسل يدي بلاده من أيّ اضطرابات محتملة، بحديثه عن زيارة غني للعاصمة الأميركية، حيث «سيشتكي هناك من دور باكستان... لذا، نحن نقول من الآن إن باكستان ليست مسؤولة عن فشل الحوار الأفغاني، وإن هناك جهات أخرى داخل أفغانستان تسعى إلى إفشال الحوار»، فيما نشر رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، أخيراً، مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أشار فيه إلى أن بلاده غيّرت سياساتها، وأنه ليس لديها أيّ طرف مفضّل في القضية الأفغانية، مؤكداً احترام إسلام أباد لإرادة الشعب الأفغاني.
لم تقرّر الولايات المتحدة بعد عديد الجنود الذي ستبقي عليه لـ«حماية» سفارتها ومطار كابول


وجاءت زيارة غني لواشنطن، في وقت لم تحرز فيه المفاوضات الأفغانية – الأفغانية الجارية في الدوحة أيّ تقدم حتى الآن، على رغم إعلان الطرفين استمرار الاجتماعات بينهما، في حين يمكن تمدُّد «طالبان» على الأرض أن يشجّعها على المضي قُدُماً في الميدان، من دون أن تعير اهتماماً للحوار. وعلى هذه الخلفية، خلص تقييم للاستخبارات الأميركية، نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، إلى أن الحكومة الأفغانية ستسقط بيد «طالبان» في غضون 6 أشهر، أي بمجرّد اكتمال الانسحاب الأميركي من أفغانستان، مستبعداً التقييمات الأكثر تفاؤلاً التي أجريت في السابق، وذلك بعدما حقَّق مقاتلو الحركة تقدُّماً كبيراً على الأرض. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية - لم تسمّهم - دحضهم ترجيحات سابقة بأن الحكومة الأفغانية ستبقى على قيد الحياة لمدّة عامين بعد خروج الولايات المتحدة، موضحين أن الجدول الزمني لبقائها أصبح «يتراوح بين 6 أشهر إلى عام واحد». وفي محاولة لطمأنة الحكومة الأفغانية، لم يستبعد القائد الأعلى للقوات الأميركية في أفغانستان، سكوت ميلر، شنّ ضربات جوية ضدّ «طالبان» إذا واصلت هجماتها للسيطرة على مناطق جديدة في جميع أنحاء البلاد. وقال: «ما أحب أن أراه ليس الضربات الجوية، لكن حتى لا تحصل ضربات جوية، عليكم أن توقفوا كل أشكال العنف»، مضيفاً: «إن أفضل طريقة لوقف ذلك، وقد أبلغت طالبان بذلك بالفعل، هو وقف العمليات الهجومية والضربات الجوية»، ومُصرّاً على أن الجيش الأميركي ما زالت لديه القوة النارية لشنّ ضربات جوية ضدّ المقاتلين حتى وهو يواصل الانسحاب. في هذا الوقت، لم تقرّر الولايات المتحدة بعد عديد الجنود الذي ستبقي عليه لـ«حماية» سفارتها ومطار كابول، إذ أفاد الناطق باسم «البنتاغون»، جون كيربي، بأنه لا يزال هناك جنود أميركيون منتشرون في «مطار حامد كرزاي»، في العاصمة الأفغانية، مشيراً إلى أنه لا يوجد قرار واضح في شأن إذا ما كان سيتمّ سحبهم من هناك أو لا. ولكنه أوضح أن «الولايات المتحدة لن تكون لها مهمّة أخرى بعد الانسحاب، سوى حماية البعثة الدبلوماسية والحفاظ على العلاقات الثنائية مع الجيش الأفغاني». وتشير تقارير إعلامية أميركية إلى أنه في الوقت الذي يتواصل فيه الانسحاب الأميركي من أفغانستان بوتيرة متسارعة، تواصل إدارة بايدن تقييم عدد القوات التي ستتركها هناك لحماية البعثة الدبلوماسية. وفي هذا الإطار، كشف مسؤولون أميركيون، لـ«رويترز»، أن قوّة حماية السفارة يحتمل أن تتألّف من نحو 650 عسكرياً.