بينما تسود أجواء من «التفاؤل العقلاني»، بحسب تعبير نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، بقرب التوصّل إلى اتفاق بين إيران و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بعد الجولة السادسة من المفاوضات بينهما في فيينا، قامت إسرائيل، وفقاً لمسؤولين إيرانيين، بمحاولة فاشلة لاستهداف مبنى تابع لـ«منظمة الطاقة الذرية الإيرانية» في مدينة كرج، القريبة من طهران. وكان محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، قد أعلن عن اتفاق جرى بين الطرفَين المذكورين سالفاً في جولة التفاوض الأخيرة، على «رفع جميع عقوبات التأمين والنفط والشحن التي فرضها دونالد ترامب على بلاده، إضافة إلى بعض تلك المفروضة على أفراد وأعضاء مقرّبين من دائرة المرشد علي الخامنئي». اللافت أيضاً هو أن توقيت المحاولة الإسرائيلية، تزامن مع زيارة رئيس هيئة الأركان الصهيوني، أفيف كوخافي، للولايات المتحدة. هذا المعطى، أي التوقيت، إضافة إلى الخوف الإسرائيلي المتزايد من إمكانية تراجع أهمية الشرق الأوسط في جدول أولويات إدارة جو بايدن، ممّا يعني العمل على تجنُّب أيّ خلافات جدّية معها، خاصةً من قِبَل الجيش الصهيوني، كلّ ذلك يدفع إلى استبعاد فرضية المسعى الإسرائيلي لـ«تخريب» المفاوضات. وقد نقل باراك رافيد، في مقال على موقع «أكسيوس»، عن مسؤولين إسرائيليين، قولهم، إن ما يميّز تعامل حكومة نفتالي بينيت الحالية مع واشنطن حول الملف النووي، عن حكومة بنيامين نتنياهو، هو حرصها على «السعي إلى التأثير في مقاربة إدارة بايدن للاتفاق مع إيران، عبر سلسلة لقاءات عالية المستوى بين مسؤولي البلدين». فبعد اجتماعات كوخافي التي بدأت الأربعاء الماضي مع رئيس مجلس الأمن القومي جايك سوليفان، ومدير الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، ومديرة الاستخبارات الوطنية في الإدارة أفريل هاينز، والمتمحورة حول هذا الموضوع، سيلتقي وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، في روما، الأحد، وسيزور الرئيس الصهيوني رؤوفين ريفلين نظيره بايدن في البيت الأبيض، وسيحتلّ الموضوع نفسه موقعاً أساسياً في المباحثات المرتقبة. ما كانت إسرائيل لتستمر بعمليات تخريبية ضدّ إيران لو صدر نهْيٌ أميركي واضح عن ذلك. نحن في سياق شبيه بالاعتداءات الإسرائيلية على مواقع لأطراف محور المقاومة في سوريا، والتي سُمِّيت بالإنكليزية «عمليات ما بين الحروب»، لكنها، هذه المرّة، تتم بين - أو خلال - جولات التفاوض مع إيران، وبموافقة أميركية طبعاً، والغاية منها تكثيف الضغوط على الجمهورية الإسلامية لحمْلها على تقديم أكبر قدْرٍ ممكن من التنازلات.ربّما لا تحظى سياسة استخدام العصا الغليظة الإسرائيلية ضدّ إيران بموافقة جميع أعضاء إدارة بايدن، لكن بعض أقطابها الرئيسين، كأنتوني بلينكن، ونائبة الرئيس كامالا هاريس، لا يرَوْن ضيراً في ذلك. هم لم ينجحوا في ربط التفاوض على الملف النووي الإيراني بملف الصواريخ الباليستية وبـ«دور طهران الإقليمي المزعزع للاستقرار»، كما أملوا عندما وصلوا إلى مناصبهم في الإدارة الحالية. الموقف الإيراني الحاسم في رفض أيّ ربط بين هذه الملفات، أدّى إلى تبديد هذه «الآمال». لكن، وخلال جولات التفاوض المتتالية، اتّضح أن بلينكن تبنّى مقاربةً متشدّدة، أدّت إلى تأخير رفع حتى بعض العقوبات لاعتبارات إنسانية، كمنع الإفراج عن أموال محتجزة لإيران في كوريا الجنوبية وتحويلها إلى مصرف سويسري لتستطيع طهران شراء أدوية ومعدّات طبية. وهذا جايك سوليفان، المحسوب على الجناح «المعتدل» في الإدارة، يعلن، الأحد الماضي، أنه «لا تزال هناك مسافة كبيرة يتعيّن قطعها في ما يتعلّق بالعقوبات والالتزامات التي يتعيّن على إيران التعهّد بها». وإذا كانت الغاية من إطالة أمد المفاوضات والمماطلة في رفع العقوبات، هي الضغط على طهران لإجبارها على تقديم تنازلات، ليس في برنامجها النووي وحده، بل كذلك في برنامجها الصاروخي وفي دعمها لقوى محور المقاومة في ساحات الاشتباكات المختلفة في الإقليم، من فلسطين إلى اليمن، مروراً بسوريا والعراق ولبنان، فإن اللجوء إلى تكتيكات الحرب الهجينة، عبر الوكيل الإسرائيلي، وشنّ عمليات بين جولات التفاوض المتتالية ضدّ إيران، يندرج أيضاً في إطار سياسة الضغط المذكورة. ولا شكّ في أن فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، والتوجهات التي يُرجِّح صنّاع القرار الأميركيون والإسرائيليون بأنه سيتبعها حيال المجابهة الدائرة في المنطقة، والمسانَدة الكبيرة الناجمة عنها لأطراف محور المقاومة في حال رفع العقوبات عن إيران، هي جميعها من بين الأسباب التي تحفّز هؤلاء على استخدام هذا النمط من الحرب، وإفهام طهران بأن المضيّ في سياساتها له أكلاف لا يستهان بها. من البديهي أن يلجأ الطرف الإسرائيلي، القلق من تحولات موازين القوى في الإقليم، والتي أظهرتها انتفاضة الحجارة والصواريخ في فلسطين أخيراً، ومن التحوّلات الدولية وانعكاساتها المستقبلية المحتملة على وظيفة الكيان وموقعه في الاستراتيجية الغربية، إلى عمليات عدوانية تعكس توتّره، غير أن موافقة الطرف الأميركي عليها تشي بعدم دقّة في تقدير الموقف، وبما قد يترتّب عليها من تداعيات. فإذا كانت العملية الإرهابية الإسرائيلية التي استهدفت مفاعل نطنز، منذ بضعة أشهر، قد أفضت إلى رفع معدّلات تخصيب اليورانيوم في إيران إلى أكثر من 60%، فإن تكرار مثل هذه العمليات سيقود إلى نتائج غاية في السلبية بالنسبة إلى أحد أبرز أهداف إدارة بايدن المعلنة، وهو التوصّل إلى «فك اشتباك» مع إيران، وإلى تخفيض للتوتّر في الإقليم، للتفرّغ للمواجهة مع الصين.