طهران | مع فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، بدأت التكهّنات في شأن تركيبة حكومته المحتملة، التي بات وصفها من قِبَل رئيسي نفسه بـ"العابرة للفئوية والجهوية" أكثر المواضيع إثارة للنقاش. فهل قصد، بذلك، الإفادة من العناصر غير المحسوبين على التيّارات السياسية، أم أنه بصدد تشكيل حكومة ائتلافية ذات قاعدة عريضة تضمّ مختلف التيارات؟ ويعكف رئيسي، الذي سيتسلّم مهامّه كرئيس للجمهورية رسمياً في الثالث من آب، على إجراء مشاورات لتشكيل حكومته، بعدما تعهّد، مراراً، خلال الدعاية الانتخابية، بأن حكومته لن تكون لأيّ تيار أو فئة بعينها، بل ستكون "عابرة للفئوية والجهوية". وهو ما كرّره يوم 21 الجاري، خلال مؤتمره الصحافي الأول بعد فوزه بالرئاسة، حين قال إنه سيأخذ بعين الاعتبار معايير في تشكيل حكومته، بما فيها كون الشخص "ثورياً" و"كفوءاً" و"محارباً للفساد" و"اجتماعي النزعة".وخلال الأيام الأخيرة، طُرحت أسماء عديدة في وسائل الإعلام الإيرانية كخيارات محتملة لحكومة رئيسي، لكن طبعاً لا يمكن التعويل عليها بالكامل لكونها مجرّد تكهنات. ومن بين هذه الأسماء علي نيكزاد رئيس اللجنة الانتخابية لرئيسي، ومحمد مخبر دزفولي رئيس "لجنة أمر الإمام التنفيذية"، وهي من المؤسّسات الاقتصادية الخاضعة للمرشد الأعلى، وسعيد جليلي عضو "مجمع تشخيص مصلحة النظام" والمرشّح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وحسين أمير عبد اللهيان المساعد الخاص لرئيس البرلمان، وعلي باقري كني مساعد السلطة القضائية للشؤون الدولية، وبرويز فتاح رئيس "مؤسّسة المستضعفين" ووزير الطاقة في حكومة أحمدي نجاد، ورستم قاسمي مساعد قائد "فيلق القدس" للشؤون الاقتصادية ووزير النفط في حكومة نجاد، وفرهاد رهبر رئيس مؤسّسة الإدارة والتخطيط في حكومة نجاد. وتُعدّ غالبية هذه الأسماء إمّا محسوبة على "التيار الأصولي" وإمّا مقرّبة منه، وهذا ما دفع بالكثيرين إلى التكهّن بأن هذا التيار سيشكّل مركز ثقل حكومة رئيسي. إلّا أن الرئيس الجديد نصح، في مؤتمره الصحافي، وسائل الإعلام بألّا تُطلق التكهّنات بشأن تركيبة حكومته، ووعد بإيجاد بوّابة إلكترونية تتيح لأيّ شخص اقتراح الأشخاص الذين يرى أنهم يتمتّعون بـ"الجدارة والكفاءة" لشغل الحقائب في الحكومة. ولا يملك رئيسي خبرة سابقة في العمل التنفيذي، في حين اكتسب كلّ خبراته من عمله في الجهاز القضائي. ولذا، فهو يفتقد فريقاً واسعاً وشاملاً، الأمر الذي حفّز الأحزاب المختلفة، ولا سيما في "التيار الأصولي"، على البحث عن حصّة لها في الوزارة العتيدة.
أيّاً تكن تركيبة الحكومة فإن مهمّتها الأساسية تتمثّل في تحسين الوضع الاقتصادي


وفي هذا السياق، اعتبر داريوش قنبري، الناشط السياسي الإصلاحي، في حوار مثير أجراه أخيراً مع صحيفة "آرمان ملي"، أن مشروع تشكيل حكومة عابرة للفئوية والجهوية ضروري لإيران. ورأى أن "الخطاب الذي يعتمده رئيسي يقف على مسافة كبيرة من الخطاب الأصولي، الذي كان يسود البلاد في الماضي"، مقدّراً أن "الحكومة التي سيؤلّفها لن تكون فئوية، بل معتدلة ووسطية على غرار حكومة روحاني". وفي المقابل، انتقدت صحيفة "وطن امروز" الأصولية فكرة تشكيل حكومة من هذا النوع، وقالت إن "العديد من المجموعات، بما فيها التيار المنبهر بالغرب، تسعى من خلال إثارة قضية الحكومة العابرة للفئوية والجهوية، إلى منع رئيسي من المضيّ قُدُماً نحو تشكيل حكومة أصولية... وإقحام أفرادها للتربّع على كراسي السلطة"، مضيفة أن "التركيز على كليشيهات مثل ضرورة الإفادة من جميع الطاقات" يستهدف "الحدّ من قيام الحكومة بتغيير سكّة الإدارة في البلاد". لذلك، يبدو أن قسماً من "التيار الأصولي" بصدد ممارسة الضغط على رئيسي، للحدّ من الإفادة من أشخاص من التيارات الإصلاحية، أو حتّى المعتدلة القريبة من رئيس الحكومة المنتهية ولايته حسن روحاني، أو الرئيس السابق للبرلمان علي لاريجاني.
وبين هذا وذاك، كتبت صحيفة "جوان" المتحدّثة باسم الحرس الثوري أن "براعة الرئيس المنتخَب يمكن أن تتمثّل في وضعه نهايةً للجدل الدائر بين المتطرّفين، الأصوليين - الإصلاحيين، في المناخ السياسي للبلاد، والعمل مع معتدليهم والتقريب بينهم، باتجاه تحقيق الهدف الرئيس لحكومة ما في مجال السياسة، الأمر الذي يتطلّب اعتماد مرجعية موحّدة في مجال المصالح الداخلية ومواجهة العدو الخارجي". لكن البعض يرى أن رئيسي يقصد بالحكومة "العابرة للفئوية والجهوية"، الإفادة من الخبراء على أساس الكفاءة، لا الانتماء السياسي. وبهذا الخصوص، قال غلام رضا مصباحي مقدّم، عضو "مجمع تشخيص مصلحة النظام"، لوكالة "مهر" للأنباء: "يتمّ من خلال تشكيل حكومة عابرة للفئوية، الاستفادة من جميع طاقات البلاد باتجاه النهوض بالدولة وتذليل مشاكل الشعب"، مضيفاً أن "رئيسي يستفيد من الطاقات من دون الأخذ بعين الاعتبار التيارات السياسية. ويبدو أنه سيستفيد من الذين يحظون بمواقع النخبة والكفاءة والخبرة في حكومته المنتظرة".
وأيّاً تكن تركيبة حكومة رئيسي، فإن مهمّتها الأساسية تتمثّل في تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي المعقّد في إيران. وفي هذا الإطار، وعد الرئيس الجديد بإزالة العقبات التي تعترض الإنتاج، وخفض الضريبة على الوحدات الإنتاجية، من 25 في المئة إلى 10 في المئة. كما وعد بفرض ضرائب على المهن غير المنتجة، بما فيها صفقات العملات الأجنبية، والذهب، والأراضي، والسكن. كذلك، كانت محاربة الفساد من الوعود التي أطلقها لإصلاح الوضع الاقتصادي. بيد أن عائدات إيران المتدنّية من العملة الأجنبية تشكّل كعب أخيل تنفيذ برامجه الاقتصادية. فبسبب العقوبات، تراجعت الإيرادات من هذه العملة بشكل لافت، وحتى إن العائد الضئيل منها لا يمكن تحويله بسهولة إلى داخل البلاد، في ظلّ وجود العقوبات المصرفية. وبناءً على ذلك، يبدو أن إعادة إحياء "خطّة العمل المشترك الشاملة" (الاتفاق النووي)، ورفع العقوبات النفطية والمصرفية، يشكّلان حاجة ملحّة لحكومة رئيسي، للمضيّ قُدُماً في تطبيق خططه الاقتصادية، وتحقيق وعوده بتحسين الوضع المعيشي للناس. وتلك الحاجة هي التي تدفع إيران إلى الانخراط بجدّية في محادثات إحياء الاتفاق النووي الجارية في فيينا، علّها تصل إلى النتيجة المرجوّة، حتى قبل بدء حكومة رئيسي مهامها.