نموّ العلاقات التركية - الصينية لم يرقَ إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية
بعد مرحلة تأجّجت فيها التناقضات الصينية - التركية حول مسألة الإيغور، تحاول أنقرة، التي تعاني من مصاعب اقتصادية، تحسين علاقاتها مع بكين. ديدييه بيون، الخبير في الشؤون التركية في «مركز العلاقات الدولية والاستراتيجية»، ومؤلّف «السياسة الخارجية التركية»، و»التحدّي التركي»، تحدَّث في مقابلة مع «الأخبار» عن هذه العلاقات وآفاق تطوّرها


ما هو توصيفكم لطبيعة العلاقات بين تركيا والصين؟ هل نحن أمام شراكة استراتيجية حقيقية، أم أن بعض القضايا الشائكة، مثل قضيّة الإيغور، تَحول دون هذه الشراكة؟
- في الفترة الحالية، لا يمكن الحديث عن شراكة استراتيجية. هناك تطوّر لافت على مستوى التواصل السياسي، وكذلك على مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية. اتّضح أن هناك رغبة تركية في الاندراج في مشروع طريق الحرير الصيني، لكن السبب الذي يمنعنا من الحديث عن شراكة استراتيجية بين البلدين، يبرز بجلاء إذا تناولنا مثلاً «منظمة شنغهاي للتعاون». يتمثّل العديد من الدول في هذه المنظمة، غير أن الموقع المركزي فيها تحتلّه كلٌّ من الصين وروسيا. الطلب الذي تقدَّمت به تركيا للانضمام إليها رُفِضْ. لماذا؟ لأن الصينيين والروس لا يثقون تماماً بتركيا، الدولة العضو في «حلف شمال الأطلسي». وعلى رغم مساعي الروس لاستغلال الخلافات وتعميقها بين تركيا و»الناتو»، فإن الصينيين لا يتبنّون مقاربة مماثلة. الحذر من تركيا لا يمنع وجود علاقات جيّدة بينهم وبينها، حتى وإنْ لم تكن ذات طبيعة «استراتيجية». من جهة أخرى، هناك ملف الإيغور الإشكالي بالنسبة إلى تركيا. غير أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، كان أكثر حزماً في مواقفه حيال هذه المسألة في السابق. أذْكُرُ تصريحاته عام 2009 التي تحدّث فيها عن عملية إبادة في حقّهم، وهو تعبير نَدَرَ استخدامه في وصف ما كانوا يتعرّضون له في تلك الحقبة. لم يعد إردوغان يتبنّى مثل هذا الخطاب اليوم، وأصبح أكثر حذراً. تحوّلت توجّهاته نتيجة نمو روابطه الاقتصادية والتجارية مع بكين. في الواقع، تجد تركيا نفسها أمام مهمَّتَين من الصعب المواءمة بينهما: قيادة الدفاع عن حقوق الشعوب الناطقة بالتركية، والاستمرار في العمل لجذب الاستثمارات الصينية.

هل تحقّقت غايات أنقرة وطموحاتها التي حدَتْ بها إلى المشاركة في مشروع طريق الحرير؟ وما هو تقييمكم الإجمالي للاستثمارات الصينية في تركيا وانعكاساتها؟
- لقد تمّت تلبية بعض هذه الطموحات عبر مساعدة الصينيين في بناء سكة حديدية في شرق تركيا، في المنطقة القريبة من القوقاز. هذه السكة شديدة الأهمية في مشروع طريق الحرير الذي يقع القوقاز في قلبه. وهناك تعاون مع الصين أيضاً في إدارة وإعادة تنظيم بعض المرافئ التركية في المتوسط. لكن الأتراك حذرون تجاه الصين، لأنهم يدركون أنها ليست جمعية خيرية. هم لا يعارضون مشروعاً بهذا الحجم، لكنهم لا يراهنون حصراً عليه، خشيةَ الوقوع في شرك التبعية للصين. هم أرادوا، منذ بدايته، المشاركة فيه لأنهم مقتنعون بأنّ دول المنطقة لا تستطيع تجاهله. هناك، إضافة إلى ذلك، رغبة لدى إردوغان في بناء شراكات موازية بعد التراجع النسبي لعلاقاته مع القوى الغربية. تركيا تعتمد لعبة معقّدة، لأنها تعلم أن موازين القوى ليست لصالحها. لاحظنا خلال عام 2018، في سياق الأزمة الاقتصادية الحادّة التي عصفت بها، أنها حصلت على دعم اقتصادي من الصين لا نعرف الكثير عنه. باختصار، هناك إنجازات، وإن كانت محدودة، ناجمة عن نموّ العلاقات بين البلدَين، لكنها لم تلغِ المخاوف التركية من نيّات صينية للهيمنة.
هناك من ينظر إلى تركيا على أنها حليف صعب، ولكن لا غنى عنه لضمان الاستقرار الإقليمي


تطرّقتم الى رغبة أنقرة في تنويع الشراكات نتيجة للعلاقات المتوتّرة مع القوى الغربية. رأينا تركيا تُفاوض الصين في 2013، لشراء منظومة صينية مضادّة للصواريخ. حتى ولو أن الصفقة لم تتمّ في النهاية، لكنها عادت واشترت منظومة «إس-400» من روسيا. ألا يحاول الأتراك استغلال علاقاتهم مع الصين وروسيا للضغط على شركائهم الغربيين؟
- هذا تماماً ما يقومون به. غير أنهم ارتكبوا خطأ جسيماً عندما وقّعوا عقداً مع شركة صينية لصناعة السلاح، مدرجة في اللائحة السوداء في الولايات المتحدة وفي العديد من بلدان العالم. مُورست ضغوط كبيرة عليهم، واضطروا إلى إلغاء العقد. يختلف الأمر مع روسيا، لأنهم فاوضوا الدولة مباشرة وليس شركة. لكننا أمام مفارقة محيّرة. منظومة «إس-400» بدأ نشرها على الأراضي التركية في 12 تموز/ يوليو 2019. لكن، وبعد مضي حوالى سنتين، لم يتمّ تفعيل هذه المنظومة. جميعنا يعلم أن المشكلة ليست تقنيّة. هذا المثال يثبت أن تركيا تستخدم هذه المنظومة الصاروخية كورقة ضغط أو حتّى ابتزاز، حيال القوى الغربية على قاعدة أن «بإمكاننا الاستغناء عن مساعدتكم». إنها لعبة شديدة الخطورة من قِبَل الأتراك، على الرغم من أنهم اعتمدوها في عهد دونالد ترامب. سيصبح الأمر أكثر صعوبة مع جو بايدن، الذي لا يكنّ وداً لإردوغان، والذي رفع مستوى التوتُّر معه عبر الاعتراف بـ»الإبادة الأرمنية». لو عَرَضَ الغربيون منظومة بديلة على إردوغان، وأنا غير متأكد من أن لديهم الرغبة أو الشجاعة على فعل ذلك، لكان عاد إلى المعسكر الغربي. فبسبب موقعها الإقليمي، تحتاج تركيا إلى منظومة مضادة للصواريخ. عندما رَفض باراك أوباما طلبها، استدارت نحو روسيا. أنا لا أعتقد أبداً أن الأتراك يريدون القطيعة مع «الناتو». هذه فرضيّة تُناقَش منذ فترة، واقتناعي هو أن تركيا تَعتبر «الأطلسي» ضماناً لأمنها. لا يملك الروس القدرة على تأمين ضمانات شاملة ومتعدّدة الأوجه لأمن تركيا كما يفعل «الناتو». بطبيعة الحال، ينبغي أخذ العلاقات المستجدّة مع روسيا بعين الاعتبار، من دون أن يفضي ذلك إلى إسباغ صفات عليها غير مطابقة لواقعها حتى اللحظة على الأقلّ. تركيا لا تريد الخروج من «الناتو» وبايدن. وعلى رغم إمكانية إعلانه مواقف صارمة في حقّها، فهو لا يرغب في ذلك أيضاً. قد يمارس الطرفان ضغوطاً، أحدهما على الآخر، لكنّني أستبعد احتمال القطيعة بينهما. في دوائر صنع القرار الأميركية، هناك من ينظر إلى تركيا على أنها حليف صعب، ولكن لا غنى عنه لضمان الاستقرار الإقليمي.

الخبير الاستراتيجي الفرنسي

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا