في خطابه السنوي أمام مجلسَي البرلمان، ركّز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على الوضع الداخلي وما تواجهه بلاده من تبعات أرخت بثقلها على المستوى الاقتصادي بفعل تداعيات الأزمة الوبائية، مقرّاً بأنّ العدوى لا تزال تشكِّل تهديداً مباشراً، وبأن هزيمة الفيروس لا تزال تحتاج إلى وقت. في موازاة هذا الإقرار، سعى بوتين إلى تكثيف رسائل الطمأنة إلى الداخل الروسي من جهة، ومن جهة أخرى التوجُّه بلهجةٍ حاسمة إلى الخارج، وتحديداً الغرب الذي يناور على أكثر من جبهة، مع عودة قضيّتَي أوكرانيا والمعارض أليكسي نافالني، إلى واجهة التوتُّر المتزايد.وفي ظلّ احتدام التوتُّر بين الجانبين، توعَّد بوتين خصومه بردٍّ «قاسٍ» في حال سعيهم إلى مهاجمة روسيا، مشدّداً على أن «مُنظِّمي الاستفزازات التي تهدِّد أمننا سيندمون كما لم يندموا على شيء من قَبل». وقال، في خطابه أمام الجمعية الفدرالية: «(إنّنا) نتصرّف عموماً بضبط النفس وعلى نحو متواضع، وغالباً لا نردّ حتى على أعمال غير ودّية أو حتّى على ألفاظ نابية بشكل صارخ»، في إشارة واضحة إلى وصف الرئيس الأميركي، جو بايدن، نظيرَه الروسي بـ»القاتل». وتوجَّه إلى من قال إنّهم ينظرون إلى «نيّاتنا الطيبة على أنها ضعف»، متمنّياً «ألّا يخطر لأحد أن يتخطّى خطاً أحمر مع روسيا». ولفت، في هذا السياق، إلى أن الحملات العدائية في حقّ موسكو لا تتوقّف، إذ اعتادت بعض الدول «المساس بروسيا تحت أيّ حجّة، وغالباً دون أيّ حجة على الإطلاق»، بعدما صار «إلقاء اللوم علينا بمثابة نوع جديد من الرياضة».
على رغم الرسائل الواضحة، إلّا أن الرئيس الروسي لم يُشر بالاسم إلى أيّ دولة في ذاتها، كما أنّه لم يتناول البتّة مسألتَي نافالني أو التحشيد العسكري قرب الحدود مع أوكرانيا، أو حتى الاتهامات المزعومة لبلاده بالتجسُّس والتدخُّل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أو اتهامات براغ الأخيرة حول «عملاء عسكريين» روس في تشيكيا. لكنه، بدلاً من ذلك، شدّد على أن روسيا تسعى إلى إقامة علاقات طيبة مع جميع الدول، بما في ذلك تلك التي برزت خلافات بينها وبين موسكو في الآونة الأخيرة، قائلاً: «لا نريد في الواقع إحراق الجسور، لكن إذا كان أحد يرى في حسن نيّاتنا مؤشراً إلى التقاعس أو الضعف، وينوي إحراق أو حتى تفجير هذه الجسور بنفسه، فيجب عليه أن يعرف أن ردّ روسيا سيكون مناسباً وسريعاً وقاسياً». وذكر بوتين أن جوهر السياسات الخارجية التي تنتهجها الحكومة الروسية يكمن في ضمان السلام والأمن لمواطني البلاد ولضمان تنميتها المستقرة، مؤكداً أن لديها مصالح خاصة بها ستستمرّ في الدفاع عنها ضمن إطار القانون الدولي.
طلبت روسيا من 10 موظّفين في السفارة الأميركية في موسكو مغادرة أراضيها


في موازاة ذلك، احتلّت الأزمتان الاقتصادية والصحية الناجمتان عن وباء «كورونا» حيّزاً واسعاً من خطاب بوتين، وخصوصاً مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقرَّرة في أيلول/ سبتمبر المقبل. إذ وعد الرئيس الروسي بمساعدات إضافية للأسر، والحدّ من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لأن «أهم شيء حالياً هو ضمان نموّ مداخيل المواطنين»، في حين أن القدرة الشرائية للروس متراجعة منذ سنوات تحت تأثير العقوبات الدولية، ثمّ الوباء. وأقرّ بوتين بوجود صعوبات اقتصادية سبّبتها الأزمة الصحية، محذّراً من أنّ العدوى لا تزال تشكّل «تهديداً مباشراً»، ومشدّداً على «أهمية إبقاء جميع حدود روسيا تحت السيطرة من أجل منع انتشار فيروس كورونا، سواء على طول محيط الحدود الخارجية، أو داخل البلاد».
في غضون ذلك، طلبت روسيا رسميّاً من 10 موظفين في السفارة الأميركية في موسكو مغادرة أراضيها بحلول 21 أيار/ مايو، رداً على إجراء مماثل تبنّته الولايات المتحدة أخيراً. وأكّدت الخارجية الروسية أنها سلّمت إلى نائب رئيس البعثة الأميركية، بارت غورمان، خلال استدعائه إلى الوزارة، أمس، مذكّرة تنصّ على إعلان الموظفين الـ 10 المذكورين في سفارة واشنطن «أشخاصاً غير مرغوب فيهم». وأشارت الوزارة إلى أنّ هذا الإجراء يمثِّل رداً بالمثل على «الخطوات الأميركية العدائية في حقّ عدد من موظّفي السفارة الروسية في واشنطن والقنصلية العامة الروسية في نيويورك، تمّ إعلانهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم، بشكل غير مبرّر». في الوقت ذاته، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن مسؤولين في سفارتها في موسكو التقوا مع مسؤولين روس، أمس، لمناقشة مواضيع؛ من بينها ردّ روسيا على العقوبات الأميركية الأخيرة، وأن المناقشات ستستمرّ في الأيام المقبلة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا