مع ورود الأنباء تباعاً، أوّل من أمس، عن استهداف إيران سفينةَ شحن إسرائيلية أثناء إبحارها في بحر العرب، بدا أن نمط المناوشات البحرية الذي بدأ يتشكَّل بين الجانبين، منذ بعض الوقت، يمكن أن يتصاعد إلى مواجهةٍ مفتوحة. وتفيد الأنباء الواردة في هذا السياق، عبر الإعلام العبري، بأن سفينة الشحن الإسرائيلية استُهدفت بينما كانت في طريقها من تنزانيا إلى الهند، فيما تشير التقديرات الأمنية الإسرائيلية إلى أن «إيران تعتزم فتح جبهة بحرية ضدّ إسرائيل بضرب سفنها في بحر العرب والخليج». على أيّ حال، لم تكن هذه المرّة الأولى التي يدّعي فيها كيان العدوّ استهداف سُفنه من قِبَل إيران، ولن تكون الأخيرة. ففي الـ 26 من شباط/ فبراير الماضي، وقَع انفجار في سفينة شحن مملوكة لإسرائيل، وهي «إم في هيليوس راي»، ترفع علم جزر الباهاما، في خليج عمان. حينها، اتهم بنيامين نتنياهو، إيران، التي سرعان ما نفت ضلوعها في الاستهداف.ما سعت تل أبيب إلى إخفائه، تكفَّلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بإماطة اللثام عنه، حين كشفت، في وقتٍ سابق من الشهر الجاري، أن إسرائيل استهدفت ما لا يقلّ عن 12 سفينة متّجهة إلى سوريا، يُعتقد أنها كانت تنقل نفطاً إيرانياً، وذلك خشيةَ أن تموَّل من أرباح النفط «الأذرع الإيرانية»، وعلى رأسها «حزب الله»، في المنطقة. وبحسب الصحيفة، بدأت إسرائيل، اعتباراً من أواخر عام 2019، بزرع ألغام بحرية في البحر الأحمر ونقاط أخرى لضرب السفن الإيرانية أو تلك المحمَّلة ببضائع إيرانية (عتاد عسكري) والمتّجهة إلى سوريا. ورأت الصحيفة في الكشف عن الحملة التي تنفّذها إسرائيل في البحر، بعداً آخر جديداً للمواجهة بين الجانبين، يأتي في لحظة تصعيد إقليمية لا تتماشى مع الاعتبارات التي تضعها إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مواجهة إيران. بيدَ أن تقرير «وول ستريت جورنال» كشف غيضاً من فيض الحرب الاقتصادية التي تشنّها إسرائيل ضدّ إيران منذ عامين ونصف عام. حربٌ تضاف إلى حملة «الضغوط القصوى» التي اعتمدتها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، نهجاً رئيسياً لتدفيع إيران، والمحور الذي تقوده، ثمن نفوذهما المتنامي في الإقليم. وهذا التسريب، وفق ما يرى إسرائيليون، ربّما جاء من إدارة بايدن، بهدف تحييد الضوضاء الخلفية التي يَعتقد الأميركيون بأنها قد تعرقل استئناف المفاوضات مع إيران حول عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. وفي موازاة التقرير، كشف تحقيق أجرته صحيفة «هآرتس» أن ما أوردته «وول ستريت جورنال» لا يعكس سوى جزء من الصورة الكبيرة.
وعلى صلةٍ بما سبق، جاء تقرير نشرته «نيويورك تايمز»، بعنوان «حرب الظلّ الإسرائيلية مع إيران تنتقل إلى البحر»، يوم أمس، ليوضح بعض النقاط؛ إذ تنقل الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي قوله إن استهداف السفينة الإيرانية «شهر كورد» في البحر المتوسط، الشهر الماضي، جاء ردّاً على استهداف إيران سفينة إسرائيلية قبالة عُمان، قبل ذلك بأسبوعين، مرجِّحاً أن يكون استهداف طهران سفينة مملوكة لتل أبيب في بحر العرب، أوّل من أمس، أحدث الردود الإيرانية على سلسلة الهجمات الإسرائيلية ضدّ سفنها، ما من شأنه، بنظر الصحيفة، أن يفتح جبهة بحريّة في حرب الظلّ الإقليمية التي دارت في السابق في نطاق البر والجوّ. في هذا الإطار، ذكر مسؤولان أميركي وآخر إسرائيلي أن معظم السفن الإيرانية المستهدَفة ضمَّت نفطاً من إيران إلى سوريا، باستثناء ناقلتَين حملَتا معدّات عسكرية لبرنامج «حزب الله» الصاروخي، إحداهما حملت خلّاطاً يُستخدم لصنع وقود صلب للصواريخ، لاستبدال الخلاط القديم الذي دمّرته إسرائيل في غارة جويّة في بيروت (آب/ أغسطس 2019)، بحسب مسؤولين إسرائيليين.
يزيد التصعيد من تعقيد جهود إدارة بايدن لإقناع إيران بإعادة فرض قيود على برنامجها النووي

وشُنَّت الهجمات من قِبَل وحدة الكوماندوس البحري الإسرائيلية، «شايطيت 13»، بحسب مسؤولين إسرائيليين ومسؤول أميركي. وقَدَّمت «نيويورك تايمز» رواية، هي الأولى، لطريقة وضع اللغمين على السفينة: مع دوران السفينة في مضيق هرمز، أسرع زورقان إيرانيان كانا يسيران خلف السفينة، في اتجاهها، ووضع كوماندوس قنبلتين متفجّرتين موقوتتين على جانب السفينة بارتفاع مترٍ فوق الماء. وبحسب ما قال شخص اطّلع على التحقيقات الأوليّة للانفجار للصحيفة: «وبعد مرور عشرين دقيقة، تسبّبت انفجارات بثقبين في هيكل السفينة».
وتعرّضت ناقلات عديدة لهجمات مشابهة في البحر الأحمر خلال الأشهر الأخيرة، رجّح مسؤولون ــــ لم تحدّد الصحيفة هويّتهم ــــ أن تكون خلفها حركة «أنصار الله» اليمنية. وتهدف الهجمات الإسرائيلية، وفق ما تنقل الصحيفة عن محلّلين ومسؤولين إسرائيليين، إلى أمرَين: أوّلهما منع طهران من إرسال معدّات إلى «حزب الله» لبناء برنامج صواريخ دقيقة تعتبره إسرائيل تهديداً استراتيجيّاً؛ وثانيهما تجفيف «منبع مهمّ لعائدات النفط الإيراني، بناءً على الضغط الذي تسبّبت به العقوبات الأميركية».
الحملة الإسرائيلية، التي أكَّدها مسؤولون أميركيون وإسرائيليون وإيرانيون، «أصبحت ركيزة لجهود إسرائيل للحدِّ من النفوذ العسكري الإيراني في الشرق الأوسط وإحباط الجهود الإيرانية للالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على صناعتها النفطيّة». لكن توسُّع الصراع يُهدِّد بتصعيد ما كان محدوداً نسبياً، و»يزيد من تعقيد جهود إدارة بايدن لإقناع إيران بإعادة فرض قيود على برنامجها النووي، في مقابل تخفيف العقوبات». ويقول علي فايز، مدير برنامج إيران في «مجموعة الأزمات الدولية»: «هذه حرب باردة كاملة، تخاطر بالتسخين بخطأ واحد. ما زلنا في دوامة تصعيديّة تخاطر بالخروج عن نطاق السيطرة».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا