تواصل الولايات المتحدة حياكة سياسة خارجية تحتلّ فيها روسيا والصين موقعاً متقدّماً، بوصفهما منافستَين استراتيجيتَين. فتارةً تذهب في اتجاه إعادة تقوية تحالفاتها خدمةً لتطويق عدوّتيها، وتارةً أخرى تستخدم عصا العقوبات لإعاقة تَقدُّمهما على الساحة الدولية. وعلى رغم التصريحات "الدبلوماسية" التي تطلقها من وقتٍ إلى آخر حول استعدادها للتعاون مع البلدَين، إلّا أن كل الإشارات القادمة من البيت الأبيض تدلّ على اعتزام واشنطن تسعير المواجهة مع موسكو وبكين. في هذا الوقت، تسعى روسيا إلى تجنّب التصعيد، وهو ما تُرجم بدعوة رئيسها فلاديمير بوتين، أخيراً، نظيره الأميركي جو بايدن إلى إجراء محادثات ثنائية، في خطوة تندرج في خانة "التهدئة"، خصوصاً أنها تأتي بعد نعت الأخير لبوتين بـ"القاتل".وفي حين تدرك روسيا النيّات الأميركية تجاهها، فإنها تسعى إلى تحصين نفسها لمجابهة تحرّكات الولايات المتحدة ضدّها. ومن هنا تسير موسكو في اتجاه توثيق علاقاتها مع الحلفاء، ولا سيما بكين، حيث حطّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، في زيارة ــــ تأتي قبيل إعلان محتمل لعقوبات أميركية إضافية على موسكو بسبب تدخلها المزعوم في انتخابات الرئاسة الأميركية 2020 ـــ تصّب في إطار رفع مستوى التنسيق بين الجانبين. وعلى رغم إعلان وزارة الخارجية الصينية أن زيارة الوزير الروسي تقتصر على "مناقشة العلاقات الثنائية، والتبادُلات الرفيعة المستوى، والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك"، إلّا أن دعوة لافروف موسكو وبكين إلى "الحدّ من اعتمادِهما على الدولار وأنظمة الدفع الغربية بهدف التصدّي لأجندة الغرب الفكرية"، كانت كفيلة لتعكس الهدف من الزيارة. وفي تصريحات لوسائل إعلام صينية أمس، قال لافروف إن "البلدين مُضطران إلى التطوّر بمعزل عن واشنطن" لإحباط ما وصفه بـ"محاولات أميركية للحدّ من تطورِهما التكنولوجي".
أقرّت بروكسل عقوبات ضدّ 11 فرداً بينهم روس وصينيون


وكما هي الحال مع واشنطن، لا تبدو العلاقات الروسية ـــ الأوروبية أكثر ثباتاً، بل تتّجه نحو حافة الانهيار بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي أخيراً على روسيا، واستكمَلها في اجتماع وزراء خارجيته، أمس، والذين أقرّوا عقوبات ضدّ 11 فرداً، بينهم روس وصينيون، بدعوى تورّطهم في "انتهاكات حقوق الإنسان". وجاءت هذه العقوبات في أعقاب اتصالٍ جرى بين بوتين ورئيس الاتحاد شارل ميشال، خَلص فيه الأخير إلى أن العلاقات مع الروس تراجعت إلى "أدنى مستوياتها"، مشدداً على أنه "يترتّب على الكرملين إصلاحها". وفي بيان تلى المكالمة، أعلن التكتّل أن ميشال أشار إلى أن "العلاقة مع روسيا لا يمكن أن تتّخذ منحى مختلفاً إلّا إذا تم إحراز تقدم في مسائل مثل تطبيق اتفاقات مينسك"، وهو موقف أدانه بوتين الذي استنكر أيضاً التصريحات "الغريبة" للمفوض الأوروبي للسوق الداخلية تييري بريتون، والتي قال فيها إن الاتحاد ليس بحاجة إلى لقاح "سبوتنيك ـــ في" المضاد لـ"كورونا"، متسائلاً عن "المصالح التي يدافع عنها هؤلاء الأشخاص، هل هي مصالح شركات الأدوية أم مصالح المواطنين الأوروبيين؟".

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا