يُجمل مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء يعقوب عميدرور، منشأ التباينات السائدة في إسرائيل حول الموقف الواجب اتّخاذه بمواجهة إيران، من خلال سرده حواراً مقتضباً مع صديق له، يرى فيه الأخير أن «على إسرائيل أن تفهم أخيراً أن الاتفاق مع إيران أمر جيّد لها، خصوصاً أن البديل هجوم إسرائيلي معقّد وخطر»، ليردّ عميدرور، الذي لا يزال يؤدي دوراً استشارياً خاصاً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (على الرغم من أنه لا يتولّى منصباً رسمياً حالياً)، بأن اسرائيل «أرادت، طوال سنوات، اتفاقاً جيّداً مع إيران... وفي الوقت نفسه، أكدت أنها تُفضّل عالَماً من دون اتفاق على التعامُل مع اتفاق سيّئ»، مشيراً إلى أن اتفاق العام 2015 «اتّضح في وقت لاحق أنه كان سيّئاً جداً». ويتوجّه عميدرور إلى صديقه بالقول: «على ما يبدو أنت على حق. إذا لم يكن هناك اتفاق، يمكن أن تصل إسرائيل إلى استخدام القوة والحرب من أجل منع إيران من امتلاك قدرة نووية عسكرية»، مقرّاً في الوقت نفسه بأن «الحرب ستكون في الواقع معقّدة وخطرة، ولذلك لا ينبغي السعي إليها، لكن على الرغم من تعقيداتها وخطورتها، فمن الممنوع أن يحول ذلك دون أن تدافع إسرائيل عن وجودها ومصالحها الحيوية». ويختم بأنه «في أساس وجود دولة إسرائيل، كان الطموح أن يستطيع اليهود الدفاع عن أنفسهم وقت الخطر. ولا أفهم المستعدّين للتنازل عن ذلك بسهولة والاعتماد على آخرين». يعكس ما قاله صديق عميدرور رأياً تتبنّاه جهات سياسية وأمنية في إسرائيل، وفي الولايات المتحدة أيضاً، يقوم على أفضلية اتفاق يكبح استمرار تقدُّم إيران نحو امتلاك القدرة على إنتاج أسلحة نووية، حتى لو لم تبادر إلى إنتاجها، في مقابل مرحلة «اللاخيار» التي قد لا تبقي على طاولة القرار الإسرائيلية - الأميركية سوى التورُّط في حرب «معقّدة وخطرة». هذه الرؤية هي نفسها التي كمنت خلف تراجُع الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، عن السقوف التي كان يتبنّاها في ولايته الأولى إزاء إيران، وشكّلت دافعاً له للقبول بالاتفاق النووي، بعدما لمس تصميماً إيرانياً على مجموعة ثوابت، حتى لو أدّى ذلك إلى عدم التوصُّل إلى اتفاق. وفي هذا الإطار، يلفت عميدرور، في مقالته التي نشرها «مركز القدس للدراسات الاستراتيجية»، إلى أن «كثيرين من الخبراء الأميركيين فهموا أن لديهم اتفاقاً غير جيد، لكنهم لم يكونوا على استعداد لاستخلاص الاستنتاجات المطلوبة». وينقل عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله في مؤتمر «إيباك» إن «هذا الاتفاق هو الذي كان يمكن تحقيقه».
في المقابل، يقدِّم عميدرور، الذي أشركه نتنياهو قبل أيام في جلسة مشتركة عقدتها القيادات السياسية والعسكرية والاستخبارية حول موضوع استهداف السفينة الإسرائيلية في الخليج، وجهة نظر مختلفة كانت ولا تزال تحكم رؤيته وخياراته. تنطلق هذه الرؤية من أن أيّ اتفاق مع إيران، لا يتضمّن إزالة منشآتها النووية، ولا يُقيِّد قدراتها الصاروخية ودعمها لحلفائها في محيط إسرائيل، يمثّل تسليماً بالمعادلة الإقليمية التي فرضتها، وسيؤسِّس ذلك، أيضاً، لمسار تصاعدي من المخاطر المحدقة بأمنها القومي. لكن القيادتين السياسية والأمنية في كيان العدو تدركان محدودية قدرات إسرائيل على مواجهة إيران ومحور المقاومة، من دون مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة، وتحديداً بعد تحوُّل معادلات القوة الإقليمية. وفي ضوء ما تقدّم، تحاول تل أبيب التوصُّل إلى قاعدة مشتركة مع إدارة جو بايدن، أيّاً ما كان المسار الذي ستسلكه التطورات.
ومن هنا يأتي رهان تل أبيب على الحوار الاستراتيجي مع واشنطن، والذي انطلق قبل أيام؛ إذ بحسب ما نقلته تقارير إعلامية إسرائيلية عن مسؤولين معنيّين بالمحادثات لم تُسمِّهم، فإن الجلسة الأولى خلصت إلى «صورة استخبارية متطابقة تقريباً»، وإن «الأميركيين تعهّدوا بالشفافية، وطالبوا إسرائيل أيضاً بعدم مفاجأتهم» باتّخاذ أيّ خطوات. وتَقرَّر تشكيل فريق مشترك خاص من الطرفين، سيُركّز فقط على تبادل المعلومات الاستخبارية في شأن القضية الإيرانية.
يبقى القلق قائماً لدى جهات القرار في كيان العدو إزاء مستقبل التنسيق مع الولايات المتحدة

وشارك في الاجتماع، الذي عُقِد عبر تقنية «الفيديو كونفرنس»، وفق هؤلاء المعنيّين، «مسؤولون كبار من وكالة المخابرات المركزية، ومجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية، والبنتاغون» من الجانب الأميركي، فيما شارك ممثلون عن «الموساد»، والاستخبارات العسكرية، ووزارة الخارجية، ووزارة الأمن، وهيئة الأمن القومي، ولجنة الطاقة الذرّية، من الجانب الإسرائيلي.
على الرغم من ذلك، يبقى القلق قائماً لدى جهات القرار في كيان العدو، إزاء مستقبل التنسيق مع الولايات المتحدة. ويعود هذا إلى أن كلّ الضغوط السابقة التي مورست على إيران لم تردعها عن مواصلة مسارها النووي التصاعُدي، وصولاً إلى نصب وتشغيل أجهزة طرد مركزي متطوّرة. وخلال الأسابيع المقبلة، سيواجه الأطراف الغربيون، ومعهم إسرائيل، محطّة الموقف الإيراني الحاسم من «البروتوكول الإضافي» الملحَق بـ»خطّة العمل المشتركة الشاملة» بعد التمديد الذي أقرّته طهران لعمل «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية» لمدّة ثلاثة أشهر، ما يعني أن أولئك الأطراف سيكونون، خلال الأشهر المقبلة، معنيّين باتّخاذ قرار في اتجاه ما.
الخلاصة أن التوافُق على الصورة الاستخبارية هو خطوة أولى وأساسية، لكنه لا يعني بالضرورة التوافُق على الخيارات الواجب اتّباعها في المحطات المفصلية؛ فإسرائيل تُفضّل عدم الاتفاق على أيّ اتفاق لا يراعي ثوابتها وأمنها القومي، فيما سيكون على إدارة بايدن أن تحسم أمرها بين تبنّي الموقف الإسرائيلي مع ما سيترتّب عليه من تداعيات متدحرجة، أو الافتراق عنه والعمل على تطويعه تجنُّباً لسيناريوات تحرص، واشنطن، بشدّة، على تجنُّبها حتى الآن.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا