حجزت روسيا لنفسها مقعداً متقدِّماً في تسوية السلام الأفغانية، في ظلّ الحراك الدبلوماسي المكثّف، والمترافق مع معطَيَين، أوّلهما فشل المفاوضات المنعقدة في الدوحة في تحقيق خرقٍ يضع الأطراف المتخاصمة على سكّة المصالحة وينهي حالة المراوحة المستمرّة في هذا الملفّ، وثانيهما اقتراب موعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أيار/ مايو المقبل، المحتمل إرجاؤه إلى حين تَبَنِّي الإدارة الجديدة في واشنطن وجهة واضحة تُحدِّد تموضعها في غرب آسيا وجنوبها. واستباقاً لجولة تفاوض مرتقبة الشهر المقبل في إسطنبول، انطلق في موسكو، أمس، اجتماع تشاوريّ لبحث أفق التسوية الأفغانية، عُقِد برعاية روسيا والصين والولايات المتحدة، وبمشاركة باكستان، وحضور وفد يمثِّل قطر، وممثلين عن الحكومة الأفغانية بقيادة رئيس «المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية» عبد الله عبد الله، وآخرين عن «طالبان» بقيادة رئيس المكتب السياسي للحركة في الدوحة الملا عبد الغني برادر، وبغياب لافت للهند المدعوّة إلى المؤتمر الذي سيُعقد في تركيا. وهو اجتماع هدف، كما هو مُعلَن، إلى دفع عملية التفاوض بين الأطراف الأفغانية، وتحقيق تفاهمات في شأن جدول أعمال المفاوضات، والتهدئة على الأرض، وتجاوُز الخلافات التي تعيق انطلاق المفاوضات المباشرة في الدوحة. ودور روسيا في الأزمة الأفغانية ليس مستجدّاً؛ فهو تطوَّر باطّراد في السنوات الأخيرة، وخصوصاً منذ بدء موسكو توطيد علاقاتها مع «طالبان» في عام 2015، لمواجهة توسُّع تنظيم «داعش»، ومنع انتقال عناصره إلى بلدان آسيا الوسطى والقوقاز، ومنها إلى روسيا.وفي نهاية اليوم التفاوضي، أمس، دعا الوسطاء الروس والأميركيون والصينيون والباكستانيون، في إعلان مشترك، الأطراف الأفغانية إلى خفض مستوى العنف، وحركة «طالبان» إلى التخلِّي عن «هجوم الربيع» لخلق بيئة مثمرة للتفاوض، وبحث «وقف فوري لإطلاق النار». وفي الجلسة الافتتاحية، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن الحوار الأفغاني في موسكو سيكون مهمّاً جدّاً لدفع المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة «طالبان»، معرباً عن أسفه لأن الجهود المبذولة لإطلاق العملية السياسية في الدوحة لم تُسفر عن نتائج بعد، آملاً أن تساعد محادثات موسكو «في تهيئة الظروف» للتقدُّم «في ظلّ تدهور الوضعَين العسكري والسياسي». وأثناء الاجتماع، أشار رئيس وفد «طالبان»، عبد الغني برادر، إلى أن القوّات الأميركية قامت بأكثر من ألف خرق منذ توقيع «اتفاق الدوحة»، مضيفاً أن «الإفراج عن باقي المعتقلين من مقاتلي طالبان لم يتمّ كما نص عليه الاتفاق»، مشدّداً على ضرورة بذل الجهود لإزالة العقبات التي تواجه المحادثات الأفغانية، فيما اعتبر «اتفاق الدوحة» بمثابة «السبيل الفعّال لحلّ مشاكل أفغانستان». من جهته، رأى رئيس لجنة المصالحة الأفغانية، عبد الله عبد الله، أن مفاوضات الدوحة حقَّقت تَقدُّماً، لا سيما لجهة الاتفاق على جدول الأعمال، موضحاً أن اجتماع موسكو، والاجتماع المقبل في إسطنبول، يُعدَّان استمراراً لمحادثات الدوحة المتواصلة منذ أيلول/ سبتمبر الماضي. وأشار إلى أن كابول تريد تسريع المفاوضات وإعلاناً فورياً لوقف إطلاق النار لخلق أجواء إيجابية.
وشهدت الفترة الأخيرة حراكاً دبلوماسياً مكثّفاً، خصوصاً بعدما أعلنت إدارة بايدن أنها تُراجع الالتزامات الأميركية في هذا الشأن، وقدَّمت لطرفَي الأزمة ما قالت إنه «رؤية للحلّ» تنصّ خصوصاً على تشكيل حكومة جامعة تتمثَّل فيها حركة «طالبان». وهذه الرؤية التي أيّدتها موسكو حتّى الآن، حظيَت بحماس فاتر من قِبَل سلطة كابول التي تشترط تسليم السلطة لحكومة منتخَبة. وعلى رغم إبداء الجانب الروسي دعمه للمقترح الأميركي، فإن تصريحات المبعوث الروسي الخاص إلى أفغانستان، زامير كابولوف، الأخيرة عن أن «الوثيقة الأميركية جيّدة، لكنّها ليست مثالية وتحتاج إلى تطوير مشترك»، فضلاً عن إقرارها من قِبَل الأفغان أنفسهم، تكشف أن هناك شكوكاً روسية إزاء فعالية هذه الخطة، خصوصاً في ظلّ عدم إعلان «طالبان» موقفها النهائي منها، ورفضها من جانب حكومة كابول، إذ كرّر الرئيس أشرف غني، الثلاثاء، أنه لن يترك زمام الحكم لأيّ حكومة، إلّا إذا كانت منتخَبة، مؤكّداً أنه إذا أبدت «طالبان» استعدادها للمشاركة في الانتخابات، فستكون الحكومة الأفغانية مستعدة لفعل ذلك.
دعا الوسطاء الدوليون الأطراف الأفغانية إلى خفض مستوى العنف وبحث وقف فوريّ لإطلاق النار


وفيما دعا وزير الخارجية الروسي، عقب استقبال الوفود المختلفة، واشنطن و«طالبان» إلى «التزام بنود الاتفاق» الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، في شباط/ فبراير من العام الماضي، والذي يشترط ابتداء انسحاب الأميركيين من أفغانستان في غضون شهرين، اعتبر الرئيس جو بايدن أنه سيكون «من الصعب» الالتزام بهذه المهلة، واعداً، في مقابلة بثّتها قناة «إيه بي سي» الأميركية، أوّل من أمس، «باتخاذ قرار لموعد مغادرة» قوّات بلاده، فيما انتقد الاتفاق الذي أبرمته إدارة ترامب، معتبراً أنه «لم يتمّ التفاوض في شأنه بالصلابة» التي أشار إليها الرئيس السابق. وسارعت الحركة إلى الردّ على الرئيس الأميركي، فهدَّدت بـ«عواقب» إن لم تلتزم الولايات المتحدة بالجدول الزمني المُتَّفق عليه. وقال الناطف باسم الجماعة، ذبيح الله مجاهد، إن «على الأميركيين إنهاء احتلالهم طبقاً لاتفاق الدوحة وسحب جميع قوّاتهم من أفغانستان بحلول الأول من أيار/ مايو... وإذا لم يفعلوا... سيتحمّلون العواقب».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا