لم تكد تمرّ أشهر على استعادة اليسار السلطة في بوليفيا، بعد انتخاباتٍ فاز فيها مرشح "الحركة نحو الاشتراكية" لويس آرتسي، حتى فتحت حكومته دفتر "تصفية الحسابات"، وبدأت بحملة لاعتقال ومحاسبة الانقلابيين الذين أطاحوا عام 2019 الرئيس إيفو موراليس، بانقلابٍ عسكري دبّرته المعارضة اليمينية ومن خلفها السفارة الأميركية في لاباز، ما أدّى إلى إغراق البلاد في دوّامة من الفوضى.
كانت الخطوة الأولى في هذا السياق إصدار المدعي العام البوليفي، يوم الجمعة الماضي، بشكلٍ مفاجئ، مذكّرة توقيف في حقّ جانين آنيز، المعارِضة التي نصّبت نفسها رئيسة انتقالية بمباركة أميركية، إضافة إلى خمسة وزراء من حكومتها، في ضوء التحقيق الذي تجريه النيابة العامة البوليفية في الأحداث التي شهدتها البلاد في أواخر 2019، حين خرجت احتجاجات مؤيّدة لموراليس، قابلها استخدام مفرط للقوة من قبل القوى الأمنية. وفجر اليوم نفسه، وبعد جولات تفتيش عديدة أقامتها الشرطة في مقر إقامتهم، تم إلقاء القبض على أنيز، ووزير الطاقة في عهدها رودريغو غوزمان، ووزير العدل ألفارو كويمبرا. أما الوزراء الثلاثة الباقون، فلم تستطع الشرطة اعتقالهم، بحكم عدم وجودهم في بوليفيا، إذ كانوا قد فرّوا من البلاد منذ لحظة إعلان فوز حزب موراليس في الانتخابات، ومن بينهم وزير الداخلية أرتورو موريللو، ووزير الدفاع فرناندو لوبيز.
ولم ينتظر وزير الدولة في الحكومة كارلوس إدواردو ديل كاستيو، حتى الصباح، لإعلام الشعب البوليفي بأن المحاسبة قد بدأت، إذ كتب على موقعَي "تويتر" و"فيسبوك" فجر السبت: "أبلغ الشعب البوليفي أنه تم اعتقال جانين آنيز بالفعل، وهي الآن في قبضة الشرطة". وهنّأ كاستيو الشرطة على "العمل العظيم" في "المهمّة التاريخية لإرساء العدالة" للشعب البوليفي. أما الرئيس موراليس، فقد طالب فور انتشار النبأ، بـ"التحقيق مع المنفذين والمتواطئين في الانقلاب عليه". وبعد استجوابهم في اليوم التالي، طلبت النيابة البوليفية السجن ستة أشهر لآنيز وغوزمان وكويمبرا، وفق القرار الاتهامي الصادر عنها. وراوحت التهم التي طالتهم بين "الإرهاب، وإحداث الفتنة، والعصيان، والتآمر". وفور إلقاء القبض عليها، بدأت آنيز حملة "شحذ انتباه"، ترجمت عبر سلسلة من التصريحات والاتصالات، تهدف إلى تجييش الرأي العام البوليفي ضد قرار الحكومة على اعتبار أنه "غير قانوني". فكان أوّل ما قامت به أنها نشرت نسخة من المذكرة على صفحتها في موقع "تويتر"، وعلّقت عليها بالقول إن "الاضطهاد السياسي بدأ"، مضيفة أنّ الحكومة تتّهمها "بالمشاركة في انقلاب عسكري لم يحدث أبداً". وبعد ذلك، بدأت بمراسلة "رُعاتها" في الغرب؛ إذ، وفق وسائل إعلام بوليفية، كتبت آنيز من داخل زنزانتها في مقر الشرطة في لاباز، رسالة إلى الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية، لويس ألماغرو، وإلى سفير الاتحاد الأوروبي في بوليفيا مايكل دوزي، تطالبهما بـ"إرسال بعثات مراقبة رسمية من أجل تقييم موضوعي وحيادي للاعتقال غير القانوني الذي وقعت ضحيته أنا ووزيراي السابقان". كما اعتبرت أن اعتقالها يخالف الإجراءات القانونية، إذ "تم القبض عليها من دون إبلاغها بمذكّرة التوقيف".
فور اعتقالها بدأت آنيز حملة "شحذ انتباه" عبر سلسلة من التصريحات والاتصالات


وبالفعل، ما كاد يبزغ صباح السبت، حتى بدأت الدعوات إلى التحرك ضدّ القرار تأتي من كل حدب وصوب؛ إذ أطلق قادة المعارضة البوليفية دعوات إلى الوحدة والتعبئة، رافضين اعتقال آنيز ووزيريها. وقال الرئيس البوليفي الأسبق، ورئيس المعارضة، كارلوس ميسا، إن "آنيز ووزيريها انتُهكت حقوقهم". وأضاف أن الحكومة "تسعى إلى إضفاء الشرعية على التزوير في الانتخابات المحلية الأخيرة"، التي فازت "الحركة نحو الاشتراكية" فيها بسبع ولايات من أصل تسعة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الرئيس البوليفي السابق، خورخي كيروغا، الذي دعا مختلف قطاعات المعارضة إلى الاجتماع للدفاع عن الديموقراطية، والخروج إلى الشارع في المدن البوليفية كافة احتجاجاً على القرار. ولكن يبدو أن واشنطن خيّبت أمل آنيز، إذ لم يصدر، حتى الآن، أيّ موقف من مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فاقتضى الأمر حثّ القائم بأعمال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لمكتب شؤون نصف الكرة الغربي جولي تشونغ "أصدقاءنا وجيراننا في بوليفيا على دعم الحقوق المدنية وضمان الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجزين". وفي تغريدة له عبر "تويتر"، أضاف تشونغ: "يعرف الأميركيون حاجة الشعب البوليفي إلى الحماية وتجديد الحكم الديموقراطي"، خاتماً بالقول: "كلنا جانين". أما وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، فاعتبر أنه يجب التحقيق بشفافية ومن دون ضغوط سياسية، في الأحداث التي وقعت في بوليفيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، مؤكداً أن الاتحاد سيواصل دعم بوليفيا، فيما شدّد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على الحاجة إلى إجراء تحقيق شفاف في القضيّة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا