يتطلّع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، للحصول، خلال ثلاث سنوات، على نسبة إضافية مِن الأصوات تعادل الـ 5% الضرورية، أي ما يساوي ثلاثة ملايين صوت، للفوز بانتخابات الرئاسة. وهذا، برأي أورخان بورصه لي في صحيفة «جمهورييت»، سيكون مصدره قواعد «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي. إذ بِحظرِه، يمكن تشتيت أصوات قاعدته وجذب أصوات الفئات الكردية المؤيِّدة للحزب، وتحديداً تلك ذات النزعة الإسلامية. ويعتبر بورصه لي أن إردوغان يهدف أيضاً إلى تقسيم «الحزب الجيّد»، كما تشجيع نوّاب من «حزب الشعب الجمهوري» على الانفصال عنه وتأسيس حزب جديد، فيما ستصبّ أصوات هؤلاء جميعاً في مصلحة الرئيس التركي. ويضمّ بورصه لي أصوات اللاجئين السوريين المجنَّسين إلى قائمة الأصوات التي سينالها إردوغان، لافتاً إلى أنه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بلغ عدد المجنَّسين 89 ألف مواطن سوري، أمّا اليوم فلا أحد يدري كم هو عدد الذين تجنّسوا خلال السنوات الثلاث الماضية. ولا يستبعد الكاتب أن يكون إردوغان، عبر تصعيد التوتُّرات مع اليونان والخطاب القومي المتشدِّد، يهدف إلى حصد ما لا يقلّ عن مليون صوت تركي إضافي في الدول الأوروبية، أي حوالى الواحد في المئة.ولا يخفي مؤيّدو «حزب العدالة والتنمية» الحاكم حماستهم لإمكانية تأسيس أحزاب جديدة تُقسِّم المعارضة بصورةٍ أكبر. من ذلك، تشجيع إردوغان لأوغوز خان أصيل تورك على الانفصال عن «حزب السعادة» أو الدفع بالأخير إلى تأييد «العدالة والتنمية»، في وقتٍ يعارض فيه رئيس «السعادة»، تيميل قره موللا أوغلو، توجُّهات الرئيس التركي لقضم حزبه. ومع أن «السعادة» نال أقلّ من 2%، فيمكنه أن يساهم في قلب موازين القوى، في ظلّ الصراع على أصوات الناخبين، والبحث عن أيّ حجم مهما كان صغيراً. أيضاً، يُنتظَر أن يعلن النائب المعروف عن «الشعب الجمهوري»، محرم إينجه، والذي ترشَّح عن المعارضة ضدّ إردوغان في انتخابات عام 2018، قريباً، اسم حزبه الجديد. وأعلن أوميت أوزداغ، مساء الخميس الماضي، انفصاله عن «الحزب الجيّد»، في انتظار أن يسمّي حزبه الجديد بين يوم وآخر. وفيما لو صحّت هذه الأنباء، سيرتفع عدد الأحزاب الممثَّلة في البرلمان إلى 114 حزباً.
وفي العودة إلى مسألة حظر «حزب الشعوب الديموقراطي»، يقول زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو، إن إردوغان يريد أن يعاقب كلّ الشعب الكردي، إذا لم يُقسّم «الشعوب» أو لم ينل تأييد جزءٍ من قاعدته. ويرى الصحافي التركي فهيم طاشتكين، في حديث إلى «الأخبار»، أن تغيير طبيعة الدستور يعني جذب الناخبين الإسلاميين من أصول كرديّة، سواء المؤيّدين لـ»حزب السعادة» أو لـ»حزب الهدى» القريب من إيران. وترفض النائبة عن «الشعوب الديموقراطي» الكردي، عائشة بشاران، في حوار مع صحيفة «غازيتيه دوار»، فكرة إغلاق الحزب، قائلةً إنه «ليس دكّاناً ليُغلق ساعة يشاؤون، وإذا كانوا يعتقدون ذلك فهم مخطئون». وتضيف إن الحزب لم يحصل فقط على أصوات ستة ملايين ناخب، «بل هو ضمانة لتكون تركيا بلداً ديموقراطياً. ولولا هذا الحزب ولولا الحركة النسائية الكردية، لما كانت السلطة الحالية قادرة على البقاء حيث هي».
يمكن أن يرتفع عدد الأحزاب الممثَّلة في البرلمان التركي إلى 114 حزباً


في المقابل، ثمّة رأي معاكس تماماً، يقول لو كانت تركيا بلداً حقوقياً، لكان يجب إغلاق «حزب الشعوب الديموقراطي». ويذهب إلى ذلك زعيم «حزب الحركة القومية» اليميني، دولت باهتشلي، الذي يكمل رأيه بالقول لو كان «حزب الشعوب» يريد تغيير اسمه والانخراط في السياسة تحت اسم جديد، لوَجَبَ منعه. وفي هذا السياق، يلمس «الحركة القومية» تردّداً في صفوف «العدالة والتنمية» لجهة التحرُّك ضدّ الأكراد. لكن، وكما يقول كيليتشدار أوغلو، فإن الحزب الحاكم يأتَمر بأوامر باهتشلي، وفي النهاية سيكون مؤيّداً لحظر «حزب الشعوب». كذلك، ينتقد كيليتشدار أوغلو «حزب العدالة والتنمية» على اعتبار أنه يلعب بميول الأتراك، لأن إردوغان، «في إعداده لمشروع جديد يحمي حقوق الإنسان، يؤكّد أن تركيا لم تكن سابقاً دولة حقوق إنسان». أمّا المفكّر السياسي، أفق أوراس، فيرى، في حوار أجراه معه إسلام أوزكان في صحيفة «غازيتيه دوار»، أن إغلاق «الشعوب الديموقراطي» سيكون فيما لو حصل «كارثياً». ويعتقد بأن أنقرة تفتقر إلى البنية الديموقراطية التحتية التي يمكن أن تُنجح أيّ مشروع إصلاحي قد يطرحه رئيس الجمهورية.
وما يبدو أمراً مسلَّماً به لدى «العدالة والتنمية»، قد لا يكون كذلك لدى المعارضة. فالمادة 101 من الدستور تشير إلى أنه «لا يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية أكثر من مرّتين». ويرى محمد علي غولر، في صحيفة «جمهورييت»، أن هذا يعني أن إردوغان لا يمكنه أن يكون مرشّحاً من جديد لرئاسة الجمهورية في عام 2023، لأنه ترشَّح للمرّة الأولى عام 2014 وفي الثانية عام 2018، وهو ما كان قد ذهب إليه أيضاً الخبير الدستوري المعروف، إبراهيم قابوغلو، في مقالة بتاريخ 29 آب/ أغسطس 2019 في صحيفة «بركون». ويقول طاشتكين إن الدستور الجديد لا يشير تحديداً إلى عدم جواز الترشُّح أكثر من مرّتين «وفقاً للتعديلات الجديدة». ولهذا، يدعو إردوغان إلى العودة إلى روح دستور 1921، أي إعداد دستور يشير إلى الإسلام ديناً للدولة، أو يكون على الأقلّ محترِماً للدين. ويأمل الرئيس التركي أن يُحدث ذلك انقساماً وسط المحافظين من أحزاب المعارضة، ولا سيما «الحزب الجيّد». وحينها، ينجح إردوغان في جذب حوالى 23 نائباً هو بحاجة ماسّة إليهم ليعدِّل الدستور في البرلمان، ويعدّل في السياق فقرة الترشُّح لولاية رئاسية ثالثة، إذا قرّر ثلثا النواب ذلك، وفقاً للمادة 116 من الدستور الحالي. فـ»العدالة والتنمية» له 289 نائباً و»الحركة القومية» 48 نائباً، والمجموع هو 337 نائباً، فيما المطلوب، ضمن خريطة النواب الأحياء، 360 نائباً لمجموع الثلثَين. وفي جميع الظروف، نجح إردوغان في إخضاع السلطة القضائية لنفوذه، وهو يستطيع أن يستصدر من المحكمة الدستورية، عند الضرورة، اجتهاداً بأنه يحقّ له الترشح لولاية ثالثة، وفق الدستور الجديد، حيث لا يُحتسب الترشُّح لعام 2014 ضمن الترشيحات المحدّدة في الدستور الجديد.
في هذا الوقت، يتحدّث البعض عن احتمالات متعدّدة، تراوح بين الانتخابات الفرعية والانتخابات المبكرة. ويقول مراد يتكين، في موقعه الإلكتروني، إن عدد المقاعد الشاغرة اليوم هي 15، فيما المطلوب للدعوة إلى انتخابات فرعية شغور 5% من عدد مقاعد النواب، أي 30 من أصل 600 مقعد. ويتوجّب لملء المقاعد الشاغرة، رفع الحصانة أو استقالة 15 نائباً إضافياً، وهذا لا يبدو حتى الآن متيسّراً. وإزاء خِيار الانتخابات المبكرة، لا يُبدي «العدالة والتنمية» حماسةً، لأن المشكلات الاقتصادية الكثيرة لا تعمل في هذه الظروف لمصلحة إردوغان. وفي أفضل الحالات، يمكن الذهاب إلى انتخابات مبكرة قبل بضعة أشهر من الموعد المحدّد فقط. لذلك، يرى يتكين أن إجراء تعديل وزاري واسع قد يكون الخيار الأفضل لإنعاش قواعد «العدالة والتنمية».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا