يتمسّك أشرف غني وفريقه ببقاء قوّات الاحتلال في أفغانستان، ووقف العمل باتّفاق الإدارة الأميركية السابقة مع حركة "طالبان"، طمعاً بالحفاظ على الوضع القائم الذي تعكّره مفاوضات داخليّة بطيئة لا تُعلّق حكومة كابول آمالاً عليها. لكن حملة الرئيس الأفغاني الذي لم يكن راضياً، منذ البداية، عن اتفاق الدوحة الذي همّش حكومته ــــ وهو اشتغل، منذ شباط/ فبراير 2020، على وضع عراقيل تحول دون تطبيقة ــــ، لن يكون لها أثر يُذكر، فيما لو قرّرت الولايات المتحدة الالتزام بالجدول الزمني لانسحاب الجيوش الأجنبية في الربيع. وفي انتظار ما ستؤول إليه سياسة إدارة جو بايدن التي أعلنت، أخيراً، أنها في صدد مراجعة الاتفاق، تبدو هوامش الحركة أمام هذه الأخيرة محدودة، وإن كان الرئيس قد أعرب، في أكثر من مناسبة، عن رغبته في الاحتفاظ بقوّة عسكرية على الأرض لاستكمال مهمّة "مكافحة الإرهاب".مع وصول إدارة دونالد ترامب إلى الحكم في عام 2016، بدأ الرئيس السابق عامه الأول بخوض حملة لإنهاء الوجود الأميركي في أفغانستان، لكنه اضطرّ إلى التقيُّد بنصائح مستشاريه بعدم الانسحاب قبل التوصّل إلى تسوية، فأضاف أربعة آلاف جندي في عام 2017، قبل أن تمضي إدارته نحو صفقة مع حركة "طالبان" وُقِّعت في 29 شباط/ فبراير 2020، تنصّ خصوصاً على انسحاب جميع القوّات الأجنبيّة، بما فيها تلك التابعة لـ"حلف شمالي الأطلسي"، في غضون 14 شهراً، في مقابل تعهُّد "طالبان" بقطع علاقاتها مع تنظيم "القاعدة"، والمشاركة في محادثات مع حكومة كابول لوضع حريطة طريق لمستقبل البلاد ما بعد الاحتلال. وتطبيقاً للاتفاق، بدأت الولايات المتحدة خفض حضورها العسكري، من حوالى 12 ألف جندي إلى 8600 ثم 4500، قبل أن يستقرّ الرقم المعلَن على 2500، بعدما انسحبت الدفعة الأخيرة منتصف الشهر الجاري، قبل أيّام قليلة من بدء ولاية بايدن. ومع تسلم الإدارة الجديدة مهمّاتها، أطلقت الحكومة الأفغانيّة حملة ضغط واسعة لتعطيل الاتفاق، وهو ما عبّر عنه أكثر من مسؤول في الأيام القليلة الماضية. من هنا، أثار إعلان مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، نيّة إدارته إعادة النظر بالاتفاق و"تقييم" مدى احترام الحركة له، ارتياحاً لدى حكومة أشرف غني التي تسعى إلى أن تُحقّق لنفسها بعض المكاسب من خلال إدخال تعديلات في متنه، كونه يحتوي على "نقاط كثيرة غامضة، ومراجعتها أمر ضروري لا بدّ منه"، على حدّ تعبير غني. وحضّ هذا الأخير الإدارة الأميركية على الضغط على "طالبان"، والتريّث في سحب المزيد من الجنود من بلاده، قائلاً إن القوّات الأميركية بحاجة إلى البقاء من دون أن يحدّد عددها، ومشيراً إلى أنّه يتوقع أن يتّخذ بايدن "القرار الصحيح"، ولا سيما أن "حلف شمالي الأطلسي"، الذي يبدو راغباً في البقاء، "لا يمكنه مواصلة مهمّته من دون عناصر التمكين الأميركية".
أعلنت «طالبان» أنها ستواصل القتال ضدّ القوات الأميركية إذا قرّرت عدم الانسحاب


وعلى رغم قرار واشنطن مراجعة الاتفاق وإعلان "البنتاغون" أن حركة "طالبان" لم تفِ بوعودها الواردة فيه، إلّا أن الخيارات أمام إدارة بايدن تبدو محدودة للغاية، وأحسنها الحفاظ على اتفاق الدوحة، كونه يمثّل فرصة معقولة للخروج من هذه الحرب بعد عشرين عاماً من مراكمة الفشل في الساحة الأفغانية، أولاً؛ ولأن الحركة لن تقدّم تنازلات أكثر ممّا فعلت في المفاوضات الأخيرة مع الأميركيين، ثانياً؛ ونظراً إلى استحالة اللجوء إلى الخيار العسكري مرّة جديدة، ثالثاً. أمّا بالنسبة إلى "طالبان"، التي اعتبر الناطق باسمها، محمد نعيم، أن الالتزام بالاتفاق الموقّع "نجاح لجميع الأطراف"، فيمكنها التنازل في مسألة بقاء الأميركيين لأشهر إضافية، مع وجود خطّ أحمر واضح: خروج القوّات الأميركية والأجنبية كاملة من أفغانستان مع إمكانية التعديل في جدول الانسحاب. وفي حال عدم الالتزام، فهي أعلنت أنها ستواصل القتال ضدّ القوات الأميركية. وبحسب أحد أفراد فريق الحركة التفاوضي، محمد سهيل شاهين، "إذا انسحبوا من أفغانستان خلال 14 شهراً (من إبرام الاتفاق) فسنلتزم أيضاً. ما لم يلتزموا، سنقوم بمراجعة". وأضاف: "بقاء القوات بعد انقضاء 14 شهراً، أكانت أميركية أم لحلف شمالي الأطلسي، يعني استمرار احتلال أفغانستان. قاتلنا الاحتلال على مدى 20 عاماً. لذا، في هذه الحال، سنكون مضطرين إلى مواصلة القتال والجهاد"، مشدّداً على أن اتفاق الحركة هو "مع الحكومة الأميركية" أياً كان رئيسها، و"إذا أرادوا إعادة تقييمه يمكنهم ذلك، لكنّهم ملزمون باحترامه". وفي حين لا ترحب كل الدوائر الأميركية بفكرة الانسحاب الكامل من أفغانستان، يمكن بايدن أن يلجأ إلى خيار إبقاء قوّة صغيرة تحت مسمّى "مكافحة الإرهاب" بعد الانسحاب العسكري المقرّر، وهو ما يتوافق مع رغبة حلفاء واشنطن وعلى رأسهم "حلف شمالي الأطلسي" الذي أعلن مسؤولوه أخيراً أنه "لن يكون هناك انسحاب كامل للحلفاء بحلول نهاية نيسان/ أبريل"، إلا أن هذا الخيار سيُقابَل برفضٍ قاطع من حركة "طالبان".