إلى أدواره الكثيرة في الإدارات الأميركية المتعاقِبة، حجز بريت ماكغورك لنفسه موقعاً رئيساً في البيت الأبيض، سيشرف منه على السياسات المتعلِّقة بالمنطقة. ليس تفصيلاً أن تُناط شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، صانع السياسات الخارجية للولايات المتحدة منذ عقود، بشخصيّة لها باعٌ طويل في الميدان، براغماتية، وعمليّة مع قدرٍ عالٍ من المرونة في أداء المهمّات. لكن الصفات «الحَسَنة» للمحامي الأربعيني، الذي سيضطلع بدورٍ حاسم في صياغة أولويات بلاده الشرق أوسطية، لا تلغي، بطبيعة الحال، حماسته للحضور العسكري الأميركي في الإقليم. حماسةٌ دفعته، في نهاية عام 2018، إلى اعتزال منصب المبعوث الخاص لـ»التحالف الدولي لمكافحة داعش»، لمّا قرّر دونالد ترامب الانسحاب من سوريا، ما مهّد، عمليّاً، للغزوة التركية ضدّ الأكراد في ذلك العام. بعد استقالته، تفرّغ ماكغورك للتصويب على سياسات الإدارة السابقة، ولا سيما في شمال شرق سوريا، حيث حلفاء الولايات المتحدة الذين تخلّى عنهم ترامب. في مقابل علاقاته الجيّدة مع الأكراد، الذين تلقّوا نبأ تعيينه منسّقاً لشؤون المنطقة بترحيب كبير، طوّر ماكغورك عداوةً حادّة مع الأتراك، وصلت إلى حدّ إصدار المدعي العام في أنقرة، في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2017، مذكّرة توقيف بحقّه، يتّهمه فيها بـ»محاولة قلب نظام الحكم التركي، وتغيير النظام الدستوري للجمهورية التركية من خلال العمل مع المنظمات الإرهابية المسلّحة لحزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديموقراطي، ووحدات حماية الشعب». تساوق ذلك مع حملةٍ شنّها وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، لإقالته من منصبه. لا ريب في أن قرار تعيين ماكغورك في منصب رفيع أثار تساؤلات عن آفاق العلاقات الأميركية - التركية، في ظلّ تشدُّد مواقفه إزاء سياسات أنقرة في الملفّ السوري، فضلاً، طبعاً، عن دعمه للأكراد مِمَّن تدرجهم تركيا في قائمة المنظمات الإرهابية سياسياً وعسكرياً؛ حتى إن ناطقة باسم الحكومة التركية اعتبرت قرار تعيينه «الشوكة التي قد تؤثر في إصلاح العلاقات بين أنقرة وواشنطن». العداء المتبادل هذا دفع ماكغورك، عقب استقالته من منصبه، إلى قيادة حملة انتقاد واسعة لسياسة أنقرة، على خلفيّة موقفها المتراخي تجاه «داعش»، مستدلّاً على ذلك بحصول أبي بكر البغدادي على ملاذ له بالقرب من الحدود التركية.جُلُّ ما حصل في سوريا أن القوات الأميركية نفّذت إعادة انتشار، وبقيت لـ»حماية حقول النفط»، كما جاء على لسان ترامب. لم يكن ماكغورك موافقاً على قرار إدارته الذي لم يُنفّذ، بذريعة أن الانسحاب قبل الأوان من شأنه أن يُعزِّز الظروف التي تسمح لتنظيم «داعش» بإعادة تجميع قواه في المنطقة. ربط المبعوث السابق بين تنفيذ توجيهات رئيسه والبقاء «نزيهاً»، بعدما «تُرك التحالف في حالة قلق وشركاؤنا في المعارك في حالة إحباط». حالة الهلع التي رافقت القرار الآنف سرعان ما تلاشت، وخصوصاً أن ترامب لم يلتزم بإعلاناته الكثيرة الانسحاب من المنطقة، علماً بأنه خفّض عديد القوات في كلّ من العراق وأفغانستان، تمهيداً لسحبها. في ظلّ الإدارة الجديدة، يبدو هذا الخيار بعيداً؛ فهؤلاء الذين سيشرفون على سياسات المنطقة، تسلّموا مناصبهم في ظلّ تزخيم «داعش» حضوره في الساحتين السورية والعراقية، ما يقود إلى واقع أن «مكافحة الإرهاب» ستتواصل، وربّما بزخمٍ أكبر من ذي قبل. ماكغورك، العارف بشؤون المنطقة، بدأ عمله السياسي في عام 2004، مستشاراً قانونياً لسفير الولايات المتحدة في بغداد، ضمن إدارة جورج دبليو بوش، ليُعيَّن في العام التالي مديراً لشؤون العراق في مجلس الأمن القومي الأميركي، وبعدها مستشاراً خاصاً للرئيس ومدير شؤون العراق وأفغانستان، حين كان أحد الداعمين لزيادة عديد القوّات الأميركية في بلاد الرافدين، والذي حصل بالفعل في كانون الثاني/ يناير من عام 2007.
على المقلب الآخر، ينقل باراك رافيد، في مقالة له في موقع «أكسيوس» الأميركي، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنهم تلقّوا بـ»سعادة» نبأ تعيين ماكغورك. ويقول رافيد إن لدى المنسّق الجديد علاقات وثيقة مع العديد من كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وكخبير في العراق وسوريا، «يُتوقّع أن يركّز الكثير من عمله على نشاط إيران الإقليمي، وهي قضية ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى إسرائيل».