«اليوم نحن لا ننقل السلطة من إدارة إلى أخرى أو من حزب إلى آخر، ولكن نحن ننقل السلطة من العاصمة واشنطن ونعيدها إليكم أنتم الشعب»؛ من خطاب تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/ يناير 2017.«على مرّ العصور، تمّ اختبار أميركا. أميركا جديدة ارتقت إلى مستوى التحدّي. نحتفل اليوم بانتصارٍ، ليس لمرشح، بل لقضيّة، إنّها قضية الديموقراطية. لقد سُمع الشعب - إرادة الشعب - واستُجيب لإرادة الشعب»؛ من خطاب تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/ يناير 2021.
هو الخطاب ذاته الذي لا ينفكّ يكرّر القيَم الأميركية، وإن بطرق مختلفة؛ فإن روّج الأول لحكم الشعب الذي منحه ثقة لم يكن يتخيّلها في ذلك الوقت، تغنّى الثاني بانتصار الديموقراطية التي تشهد أحلك أوقاتها. وإن كان ترامب قد احتفل باستعادة الحكم من المؤسّسة السياسية، التي هاجمها على مدى سنوات أربع، مُمهِّداً لما سمّاه «استعادة عظمة أميركا» تحت شعاره «أميركا أوّلاً»، فقد احتفى بايدن، أمس، باستعادة المؤسّسة السياسية، ومن ورائها النخبة، الحكم، ممهِّداً الطريق أمام حُلم عودة بلاده إلى قيادة عالمٍ سريع التحوّل. لكن الأهمّ بالنسبة إلى هذا الأخير أنه بات، اعتباراً من يوم أمس، الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، بعدما اجتاز الفخاخ الأوليّة، وتمكّن من تمرير يوم طويل من دون أي حادثة. هواجسه الكثيرة يطغى عليها أولاً حال الديموقراطية المأزومة، معطوفاً على تراجع الدور الأميركي في العالم، فيما الأزمات الداخلية المتزامنة لا يمكن حصرها. وقد عبّر عنها بقوله: «أيها الناس، لقد حان وقت الاختبار. نحن نواجه هجوماً على ديموقراطيّتنا، وعلى الحقيقة، وفيروساً مستعراً، وظُلماً لاذعاً، وعنصرية منظّمة، وأزمة مناخية، ودور أميركا في العالم...». ولكن إن كان قد شدّد على دعوته إلى الوحدة على أنّها الحلّ، فهو تجاهل أنّ الآتي من الأيام لن يُسهم إلّا في تعزيز الشرخ المتعاظم، في ظلّ ما سيشهده مجلس الشيوخ من محاكمة - هو طرف غير مباشر فيها - لرئيسٍ سابق يمثِّل أكثر من 75 مليون ناخب أميركي.
استحوذت الدعوة إلى الوحدة على غالبية خطاب بايدن من دون أن يتطرّق إلى كيفية ترسيخها


خطاب بايدن دام نحو عشرين دقيقة، استحوذت الدعوة إلى الوحدة على غالبيته، من دون أن يتطرّق إلى كيفية ترسيخها، في ظلّ ما تشهده الولايات المتحدة من انقسامات متجذّرة. وكيف لا يكون الأمر كذلك، وهو الذي أكّد أنّ «الحديث عن الوحدة يمكن أن يبدو للبعض مثل خيال أحمق هذه الأيام»، مضيفاً: «أعرف أنّ القوى التي تفرّقنا عميقة وحقيقية. لكنّني أعلم أيضاً أنّها ليست جديدة». كلّ ذلك لم يمنع بايدن من الاسترسال في التعهّد بأنّ يكون رئيساً لكلّ الأميركيين. هو وعد بـ»إلحاق الهزيمة بنزعة تفوّق العرق الأبيض والإرهاب الداخلي». وبطريقة غير مباشرة، هاجم سلفه الذي رفض، طيلة الأسابيع الماضية الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية، فحثّ على رفض التلاعب بالوقائع. وقال: «يجب ألا تؤدّي كلّ الاختلافات إلى حرب شاملة. وعلينا أن نرفض الثقافة (التي تشهد) التلاعب بالحقائق نفسها وحتى اختراعها». وأضاف: «هناك حقيقة وهناك أكاذيب، أكاذيب تطلق من أجل السلطة والكسب. وعلى كلّ منا واجب ومسؤولية، كونه مواطناً أميركياً، وخصوصاً كمسؤول، الدفاع عن الحقيقة ومحاربة الأكاذيب».
بايدن آثر بثّ الراحة في نفوس حلفائه، فقال: «سوف نُصلح تحالفاتنا، ونتعامل مع العالم مرة أخرى، ليس لمواجهة تحدّيات الأمس، ولكن لمواجهة تحدّيات اليوم والغد. وسوف نقود ليس فقط بمثال قوّتنا، ولكن بقوّة مثالنا». أما ضيوفه، على قلّتهم، فاختيروا بعناية لحضور مراسم التنصيب التي أقيمت وسط غياب الجماهير. باراك أوباما وجورج دبليو بوش وبيل كلينتون كانوا في الصفوف الأمامية، وسط انتشار كثيف للقوّات الأمنية في العاصمة الفدرالية. أمّا ترامب، فلم يحضر ولم يهنّئ الرئيس المنتخَب، بل اختار أن يغادر البيت الأبيض، صباح أمس، قبل ساعات من انتهاء ولايته الرئاسية وأداء جو بايدن اليمين، متحدّثاً بشكل مقتضب عن ولاية «رائعة امتدت لأربع سنوات» تُمثّل «شرف العمر».
واعتباراً من يوم أمس، سارع بايدن إلى إصدار 17 أمراً رئاسياً للعودة عن إجراءات اعتمدتها إدارة ترامب، وسيعمد خصوصاً إلى إعادة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ وإلى «منظمة الصحة العالمية». ولم تتأخّر ردود الفعل الدولية على انتهاء ولاية ترامب، حيث رحّب قادة الاتحاد الأوروبي بوصول «صديق لأوروبا» إلى الرئاسة في الولايات المتحدة. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، قبل تنصيب بايدن، إنّ أوروبا «أصبح لديها صديق في البيت الأبيض لبناء ميثاق مؤسّسي جديد». وتمنّى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في تغريدة بالإنكليزية، لجو بايدن «كلّ التوفيق»، مرحّباً بقراره العودة إلى اتفاق باريس للمناخ. وقال: «إلى جو بايدن وكمالا هاريس أحرّ التمنيات في هذا اليوم التاريخي للشعب الأميركي». وأضاف «سنتمكّن موحّدين وسننجح في رفع التحدّيات التي نواجهها. سنتمكّن معاً من وقف التقلبات المناخية لحماية كوكبنا. عودتكم إلى اتفاق باريس للمناخ موضع ترحيب». كذلك، أعرب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عن ارتياحه لنهاية عهد «طاغية» اعتمد سياسة «ضغوط قصوى» حيال الجمهورية الإسلامية.