«تئالوا إتأموا»! جاهداً حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل أسابيع، أن يلفظ بالعربية عبارة «تعالوا تطعّموا» بالطريقة الصحيحة، مُتوجّهاً بذلك إلى «المواطنين العرب» بالدعوة إلى تلقّي اللقاح في أحد مراكز التلقيح ضدّ فيروس «كورونا» المستجدّ في مدينة الطيرة. هكذا، وببساطة، تَهيّأ له أن بإمكانه شراء هؤلاء المواطنين بشعار «صحتكم مقابل صوتكم الانتخابي»، وهو الذي تَذكّر إخراجهم من قاع سلّم المواطنة في اللحظة الأخيرة! الرّد على دعوته جاء أمس من المتظاهرين الذين حملوا الأعلام الفلسطينية، ورفعوا شعارات ضدّه أمام صندوق المرضى «كلاليت» في الناصرة شمال فلسطين، فيما حطّ موكبه في ضيافة رئيس بلديتها، علي سلّام، الذي أشيع مساء أول من أمس أنه سيترشّح لانتخابات «الكنيست» في قائمة «الليكود»، وفق ما ذكرته صحيفة «يسرائيل هيوم». ومع أن سلّام نفى ترشّحه، إلا أنه أعلن في فيديو مصوّر نُشر في وقتٍ لاحق دعمه لحزب نتنياهو.التظاهرة ضدّ نتنياهو قوبلت باعتداء وحشي من عناصر الشرطة و«حرس الحدود» بالخيول العسكرية وسيارات المياه العادمة والضرب بالهراوات، لقمع المتظاهرين وإبعادهم عن مركز التلقيح، قبل أن تعتقل الشرطة بعضهم وتقتادهم إلى مراكز التحقيق. وعلى هذه الخلفية، قال مركز «عدالة»، في بيان أمس، إن «قمع المتظاهرين العرب بشكل مخالف للقانون، واستعمال الأساليب الوحشية والعنف المفرط خلال تفريق المظاهرة، باتا نهجاً ثابتاً لدى الشرطة الإسرائيلية التي لا تقيم وزناً لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في التظاهر وحرية التعبير والرأي، وهذا لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج سياسة ممنهجة طوال سنوات امتزجت فيها العنصرية والتحريض والفوقية من الدولة تجاه المواطنين العرب».
مشهد التظاهرة، على بساطته، بدا معقّداً؛ فمن جهة، هناك من خرج ضدّ زيارة نتنياهو من منطلقات وطنية، وهؤلاء يتبنّى بعضم خيار المقاطعة أساساً، فيما تظاهر آخرون، وبينهم أعضاء «الكنيست» من «القائمة المشتركة»، على قاعدة عدم السماح لنتنياهو بـ«سرقة أصوات العرب»، وهم يجلسون معه أصلاً في قاعة «الكنيست»، بل يُقدّمون توصية تدعم وزير الأمن، بيني غانتس، ليكون رئيس حكومة، وهو المعروف بجزّار الحرب الذي لا يقلّ صهيونية عن نتنياهو، والذي بدأ حملته الانتخابية بتعداد مَن قتلهم من الفلسطينيين والعرب. وسط كلّ أولئك، وجد أنصار «حركة الأعلام السود» مساحتهم، فرفعوا الأعلام الإسرائيلية وشعارات تطالب بمحاسبة نتنياهو نتيجة لتهم الفساد التي تلاحقه.
يعكس تملّق نتنياهو لفلسطينيّي الـ48 الأزمة التي يعيشها في قاعدته الانتخابية


كلّ هذا حدث قبل وصول نتنياهو إلى البلدية محميّاً بسيارات المياه العادمة. في قاعة البلدية، بدأ خطابه متهجّماً على «القائمة المشتركة»، ومدّعياً أن تظاهراتها في الخارج إنما هي «علامة على اليأس»، وأنه يلمس «دعماً من المواطنين العرب له ولحزب الليكود». فهو بدأ يسمع أخيراً تصريحات من قبيل «نشعر أن أصواتنا الانتخابية تذهب هباءً»، في إشارة إلى أنهم صوّتوا لـ«المشتركة» التي تَلطّت خلف شعار إسقاط نتنياهو ولم تُقدّم إنجازاً واحداً. مع ذلك، لا ينفي هجومه على القائمة حقيقة كون الأخيرة حملت بذور تفكّكها لحظة تشكّلها، وفقدانها حتى للخطاب الوطني قبل المشروع السياسي، بل تحمّل بعض مركباتها مسؤولية انزلاق الخطاب نحو الأسرلة والدعوة إلى الشراكة «اليهودية - العربية» و«التعايش».
أيّاً يكن، تَوجّه رئيس حكومة العدو إلى «المواطنين العرب» بجملة من الوعود الكاذبة، في مقدّمتها أنه طلب «شخصياً» من وزير الأمن الداخلي، أمير أوحانا، «صياغة خطة وبرنامج عمل للقضاء على العنف والجريمة في المجتمع العربي... كما تمّ القضاء على الجريمة في المجتمع اليهودي سنقضي عليها في المجتمع العربي». لعلّه تناسى أن غالبية قطع السلاح المنتشرة بين أيدي المافيات وتنظيمات الجريمة إنما هي من جنوده الذين باعوها لهذه التنظيمات واشتكوا في المراكز المعنيّة من تعرّضهم أو تعرّض معسكراتهم للسرقة (طبقاً لتصريحات وزير الأمن الأسبق، جلعاد إردان). مع ذلك، يريد نتنياهو الاستفادة من «خزّان أصوات» للمعركة الانتخابية المرتقبة في آذار/ مارس المقبل، ما يعكس حجم أزمته السياسية داخل المجتمع الإسرائيلي والقاعدة اليهودية، خاصة أنه دوماً استخدم التحريض على المواطنين العرب لكسب الأصوات، في حين أنه الآن يتزلّف إليهم ويتملّقهم!
من جهته، أطلّ رئيس بلدية الناصرة، سلّام، المثير للجدل وصاحب مقولة «ترامب تعلّم مني»، متملّقاً «صديقه» نتنياهو على طريقة «مخاتير إيام زمان»، فقال: «في الخارج تظاهر 40 شخصاً. لو كنت سأنظّم تظاهرة لجلبت الآلاف. هؤلاء الذين يتظاهرون الآن إنما هم من قدامى قدامى الحزب الشيوعي. هذا يكفي، ويجب أن يبدّلوا طريقتهم». ثمّ استجدى نتنياهو بالطريقة نفسها كي يمنحه «مساحات للبناء ويوقف الهدم لعامين»، كأنها أراضي نتنياهو وعائلته. وتابع: «بينما كان العالم منشغلاً بكورونا، كنتَ (نتنياهو) تعقد السلام مع الإمارات وغيرها لأنك رجل سلام. حان الوقت لتعقد السلام مع الفلسطينيين». كما تطرّق إلى مسألة العنف والجريمة، طالباً من «ضيفه» التدخل في الأمر: «سنكون كاذبين لو قلنا إنه سيتمّ القضاء نهائياً على العنف، لكن من المهم أن نحدّ منه، فعندنا الأمر مختلف عنكم؛ إذا قتل عندكم موشيه جلعاد، فإن الأمر سيتوقف، لكن عندنا إذا قَتل علي موسى، فسيظلّ العنف يتنقّل بين عائلتيهما بسبب الحمائلية...».
وعلى رغم الأحاديث التي أشيعت حول احتمال ترشّحه في قائمة «الليكود»، لم يؤكد سلّام ذلك خلال استقباله نتنياهو، لكنه عبّر عن دعمه للأخير. وفي الوقت نفسه، يرى كثيرون أن الهجوم ضدّ رئيس بلدية الناصرة «محقّ وفي محلّه» ما دام ليس صادراً عن أعضاء «المشتركة» الذين أعطوه بأنفسهم صكّاً ليصلح ذات بينهم ويعيد لحمتهم الوطنية. صحيح أن سلّام يمثل مجموعة من المتزلّفين إلى الأحزاب الصهيونية لنيل مقعد أو حقيبة وزارية، لكن ما الذي يُميّز بعض مركبات «القائمة العربية»، إن لم يكن جميعها، عنه، وهم الذين جعلوا من الجلوس في «الكنيست» وتمزيق القوانين أكبر «الإنجازات»؟