لا تزال تداعيات الهجوم الإلكتروني الذي يواصل، منذ الربيع الماضي، استهداف وزارات ووكالات حكومية أميركية غير معروفة بعد، وإن كان الاستنفار الحكومي واضطرار مستشار الأمن القومي، روبرت أوبراين، إلى قطع رحلته الأوروبية والعودة إلى واشنطن على وجه السرعة للنظر في الأضرار المحتملة الناجمة عنه، كل ذلك يدلّ على أن الآثار المترتّبة عن عمليّة القرصنة الضخمة، ربّما تكون هائلة. عمليّة بدأت الولايات المتحدة، منذ لحظة اكتشافها، صدفةً، في نهاية الأسبوع الماضي، تلمّح إلى مسؤولية روسيا عنها، على رغم عدم توافر الأدلة، ونفي الأخيرة لجوءها إلى الحروب السيبرانية. وأشار «مكتب التحقيقات الفدرالي»، و«وكالة الأمن السيبراني»، و«وكالة أمن الإنترنت والبنى التحتية»، ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية المرتبط بوزارة الأمن الداخلي، في بيان مشترك، إلى أن «الوضع قابل للتطوّر»، فيما يواصل هؤلاء «العمل لمعرفة الحجم الكامل لهذه الحملة، مع علمنا أن هذا الاختراق أثّر على شبكات للحكومة الفدرالية». هذه الوكالات مجتمعةً، شكّلت فريقاً موحّداً للتنسيق، بينما تُعقد اجتماعات يوميّة في البيت الأبيض لإعداد استجابةٍ رسميّة.وإلى الأضرار اللاحقة بوزارة الأمن الداخلي، المكلَّفة بحماية البلاد من هجمات إلكترونية وغيرها، لم تسلَم وزارتا الخزانة والتجارة وعدّة وكالات فدرالية فضلاً عن شركات خاصّة جرّاء الهجوم الذي طاول أيضاً بعض أقسام وزارة الدفاع الأميركية، «البنتاغون»، بحسب معلومات «نيويورك تايمز». وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن وزارة الخارجية والمعاهد الوطنية للصحة باتت أحدث الوكالات الفدرالية التي تعرّضت لعملية القرصنة، متوقعةً، نقلاً عن مصادر، أن تزداد قائمة «ضحايا» حملة التجسّس الإلكتروني. وكشفت مصادر مطّلعة، لـ«رويتر»، أن مُقرصنين يُعتقد أنهم يعملون لحساب روسيا تجسّسوا على رسائل البريد الإلكتروني الداخلية الخاصة بوزارتَي الخزانة والتجارة الأميركيتَين، وأن هناك مخاوف من أن تكون عمليات القرصنة التي اكتُشفت، حتى الآن، ليست إلّا كـ«قمة جبل الجليد». وسارعت وسائل الإعلام الأميركية إلى اتهام المجموعة الروسية «أي بي تي 29» المعروفة أيضاً باسم «كوزي بير»، والتي تقول «واشنطن بوست» إنها تتبع أجهزة الاستخبارات الروسية، وسبق لها أن اخترقت الإدارة الأميركية السابقة، بالوقوف خلف حملة القرصنة. ولمّح وزير الخارجية، مايك بومبيو، إلى مسؤولية موسكو، مشيراً إلى أن لجوءها إلى الهجمات السيبرانية ضدّ واشنطن «أمر ثابت ومتكرّر»، كونها «حاولت التدخل في الانتخابات في أعوام 2008 و2012 و2016». من جهته، حمّل كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، مارك وورنر، الطرف نفسه مسؤولية الهجمات الإلكترونية الأخيرة. غير أن الكرملين، وعلى لسان الناطق باسمه، ديمتري بيسكوف، نفى الاتهامات الأميركية لبلاده.
طاولت الهجمات بعض أقسام وزارة الدفاع الأميركية


الهجوم المُكتشف حديثاً، بدأ في آذار/ مارس الماضي، حين استغلّ القراصنة تحديثاً لبرنامج طوّرته شركة «سولار ويندز»، وتستعمله آلاف الشركات والإدارات حول العالم. وتواصلت عمليّة الاختراق أشهراً قبل أن تكتشفها مجموعة «فاير آي» للأمن المعلوماتي، والتي كانت هي نفسها ضحية الهجمات السيبرانية. ووفق المجموعة، جرى استهداف شركات تعمل في مجالات الاستشارات والتكنولوجيا والطاقة في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط. ونقل موقع «بوليتيكو» عن مصادر في الكونغرس، وفي شركة «فاير آي»، قولها إن الاختراق الذي ربطه المسؤولون الأميركيون بالاستخبارات الروسية، اكتُشف من طريق الصدفة. وأفاد بأن تحقيقاً أجرته «فاير آي»، على خلفية تعرُّض شبكتها للاختراق، كان السبب وراء اكتشاف القرصنة التي تعرّضت لها نحو 12 وكالة فدرالية أميركية. وأشارت «سولار ويندز» إلى أن ما يصل إلى 18 ألف زبون، بينهم شركات كبيرة ووكالات حكومية أميركية، حمّلت التحديث الذي طوّرته، ما سمح للقراصنة باختراق رسائل البريد الإلكتروني. ومن بين زبائن هذه الشركة إدارات فدرالية بالغة الحساسية، مثل مصلحة «الأمن السري» المكلّفة بحماية الرئيس الأميركي، ووزارة الدفاع، و«الاحتياطي الفدرالي»، وشركة «لوكهيد مارتن» للصناعات العسكرية، و«وكالة الأمن القومي». وفي حديث إلى شبكة «سي إن إن»، وصف مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، الهجمات الإلكترونية الأخيرة، بأنها «متطوّرة وناجحة للغاية»، ولكنّه أكَّد أن الجهات المعنية لن تكشف للعامّة مدى الضرر الذي ألحقته الهجمات بتلك الوكالات، مشيراً إلى أن ما حصل يمثّل، في الوقت ذاته، تحدياً كبيراً لإدارة جو بايدن المقبلة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا