لم يَدم اسم خوان غوايدو طويلاً. الانتخابات النيابية الأخيرة في فنزويلا قضت على آخر حظوظ الرجل، مختتمةً مسيرةً سياسية بدأت للتوّ. الرجل الذي أعلن نفسه رئيساً انتقالياً قبل سنتين، وقاد، توازياً، محاولة انقلابية فاشلة لإطاحة الرئيس نيكولاس مادورو، يبدو فاقداً لأنصاره، إن كان في الداخل أو حتى في الخارج، كما ثقة «صقور» الإدارة الأميركية الذين عقدوا العزم على إخضاع كاراكاس مهما تطلّب الأمر، موكلين هذه المهمّة إلى غوايدو. جَرّب المعارِض الذي وُصفَ مراراً بأنه «دمية في يد واشنطن» كلّ ما يمكن تجريبه للتخلُّص من مادورو؛ بدءاً من قيادة تظاهرات مناهضة للنظام، مروراً بمحاولة استمالة المؤسسة العسكرية لإحداث انقلاب، ووصولاً إلى شحذ الانتباه العالمي من خلال جولات على العواصم الداعمة له. لكن محاولاته كلّها باءت بالفشل، وهو ما اعترف به غوايدو نفسه قبل سنة.وُلد غوايدو في 28 تموز/ يوليو 1983 في لاغويرا/ فارغاس (شمال وسط). المهندس الشاب يُعرّف عن نفسه بأنه أحد «الناجين من مأساة فارغاس» (كانون الأول/ ديسمبر 1999) المصنّفة كونها إحدى أكبر الكوارث الطبيعية التي عاشتها فنزويلا. في عام 2007، بدأ غوايدو نشاطه السياسي كأحد قادة حركة «الأيادي البيضاء» الطلابية الفنزويلية المعارِضة لحكومة الرئيس الراحل هوغو تشافيز، والمُموّلة من قِبَل «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية». بعدها بسنتين، صار عضواً مؤسِّساً لحزب «الإرادة الشعبية» الذي أسّسه زعيم المعارضة ليوبولدو لوبيز. بات نائباً في الجمعية الوطنية الفنزويلية للمرّة الأولى في عام 2010، ما هيّأ الطريق أمام اختياره من قِبَل أحزاب المعارضة الفنزويلية زعيماً لقيادتها، فتولّى رئاسة البرلمان في 5 كانون الثاني/ يناير 2019. بعدها، وتحديداً في الـ23 منه، تلقّى اتصالاً من نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، أُعطي في خلاله ضوءاً أخضر لإعلان نفسه رئيساً انتقالياً للبلاد.
بدايةً، ظلّت شخصية غوايدو «مجهولة»؛ فلم يُعرف عنه سوى ما تقدّم، إلى أن نَشر الصحافيان ماكس بلومنتال ودان كوهين تقريراً مفصّلاً في موقع «ذا غراي زون» «نبشا» فيه تاريخ «الرئيس الانتقالي»، ليتبيّن أن الرجل لم يظهر صدفةً، بل نتيجة عقدٍ من المحاولات الأميركية الحثيثة لقلب النظام في فنزويلا. منذ عام 2005، بدأ، بحسب الكاتبين، العملُ على تدريب بعض الكوادر الطلابية اليمينية بمَن فيهم غوايدو، بهدف تقويض حكومة كاراكاس. وفي تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته «وصل غوايدو برفقة أربعة قادة طلابيين إلى العاصمة الصربية بلغراد، ليلتحقوا بمركز العمل والاستراتيجيات اللاعنفية (CANVAS) للتدرُّب على الثورات الملونة». بعد عودته من واشنطن حيث انخرط في برنامج الحكم والإدارة السياسية في جامعة «جورج واشنطن»، تحت وصاية الاقتصادي الفنزويلي، لويس إنركي بيرريزبيتا، أحد كبار الخبراء الاقتصاديين الليبراليين الجدد في أميركا اللاتينية، لم يكن غوايدو معروفاً إلّا في أوساط المجموعات اليمينية. لكن قربه من ليوبولدو لوبيز (ارتبط اسم حزبه بتنظيم أحداث العنف في عام 2014، حين قامت مجموعة من الطلاب بإقامة حواجز في جميع أنحاء البلاد، وأغلقت الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة)، شكّل محطّة فاصلة في صعود شخصيته السياسية. وبصفته أحد المشاركين في أحداث 2014، بثّ غوايدو شريطاً مصوراً عبر حسابه في موقع «تويتر»، قال فيه: «هؤلاء الطلاب عادوا إلى فنزويلا ليكونوا ذراعاً أميركية ضدّ الدولة»، قبل أن يحذفه لاحقاً. وبفضل الشبكات التي تمكّن من نسجها في واشنطن، عزّز لوبيز، الذي حظي وحزبه بدعم قوي من السناتور الجمهوري من أصل كوبي، ماركو روبيو، مهارات غوايدو القيادية. وبعد إلقاء الحكومة الفنزويلية القبض على لوبيز عام 2014 لارتباطه بأحداث «غواريمبا»، نَصّب غوايدو خلفاً له في رئاسة «الإرادة الشعبية».
مع بداية العام الجاري، وبفعل فشله في إحداث التغيير المأمول في كاراكاس، هوت شعبية غوايدو، ولم يعد يشارك في التظاهرات المناهضة للنظام الحاكم سوى قلّة من المحتجين. ومن 63% مطلع 2019، وصلت شعبيته إلى 38% في كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه، بحسب استطلاع للرأي أجراه مكتب «داتانالايزس». لم يكن الرهان على إطاحة مادورو وحده ما خسره غوايدو، إذ يضاف إليه رهانه على توحيد المعارضة الفنزويلية، التي تبدو اليوم أضعف من أيّ وقتٍ مضى. فغوايدو ترك وراءه معارضة منقسمة جداً اتُّهم مراراً بـ»تفتيتها». ومع خروجه من السباق الانتخابي وتركه الساحة للاشتراكيين، يكون «الرئيس الانتقالي» قد أنهى مسيرةً سياسية مزجت بين الراديكالية والانتهازية التي احتاجت إليها واشنطن لإحداث اختراق في فنزويلا. مع ذلك، لم يتمكّن البيت الأبيض من الدفاع عن شرعية غوايدو، وهو ما تَجسّد، مثلاً، في تلعثم المبعوث الأميركي الخاص إلى فنزويلا، إليوت أبرامز، لدى سؤاله، في آذار/ مارس 2019، عن شرعية استمرار غوايدو «رئيساً انتقالياً»، لكونه تقرَّر، يوم إعلان نفسه رئيساً، أن يبقى كذلك لمدّة شهر واحد فقط. قال أبرامز إن «الأيام الثلاثين لا تبدأ الآن، بل بعد مادورو». لكن، بقيَ غوايدو حتى في نظر رُعاته الأميركيين «رئيساً لم تبدأ ولايته يوماً».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا