خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، تَحوّل جو بايدن، العضو القديم في مؤسّسة السياسة الخارجية التي دعت إلى نهج دبلوماسي إيجابي مع بكين، إلى اعتماد نبرة أكثر تصادمية، عبر تنديده بالرئيس الصيني شي جين بينغ، ووصفه بالـ«سفاح». ومع ذلك، واجه المرشّح الديموقراطي، في حينها، تساؤلات حول كيفية تعامله مع الصين، بشكل أكثر فاعلية مما يقوم به خصمه الجمهوري.بالنسبة إلى كثيرين، لم يجلب خطاب ترامب ضدّ الصين سوى القليل من الفوائد الاقتصادية الدائمة حتى الآن. وبالنسبة إلى آخرين، نجح في وضع خطّ لا يمكن لأيّ إدارة لاحقة تجاوزه. بمعنى آخر، جعل هذا الأخير العداء مع الصين محور أجندته التجارية، إن كان عبر اعتماده مقولة «أميركا أولاً»، أو عبر شنّه هجمات مريرة ضدّ سياسات بكين وإطلاقه حرباً تجارية معها، قوامها فرض رسوم جمركية على ثلثَي الواردات الصينية. وهو أمرٌ بات يتوجّب على بايدن أن ينطلق منه، بعضّ النظر عمّا إذا كان سيخاطب الصين بلهجة أكثر تهذيباً. ففي النهاية، لا يمكنه تجاهل نجاح ترامب في تحويل الجدل الدائر حول بكين، عبر الهجوم المتكرّر على «سياساتها المفترسة التي دمّرت الصناعات الأميركية». وهو ما تضاف إليه شكوك تجاه الصين باتت تسود كلا الحزبين، وخصوصاً بين التقدّميين الذين ساعدوا في انتخاب بايدن. بالتالي، فإن هذا الضغط على جهة اليسار ــــ واليمين ــــ يعني أن من غير المرجّح أن يتمكّن بايدن من عكس تعريفات ترامب بشحطة قلم، ما يترك له القليل من القدرة على المناورة.
مهما يكن، فإن المواقف الصادرة عن بايدن شخصياً، أو عن حزبه، تشير، إلى الآن، إلى نهجٍ متعدّد الأطراف يُركّز بشكل أكبر على التحالفات وحقوق الإنسان، ويقلّ اعتماده على التعريفات الجمركية ومبيعات الأسلحة. نهجٌ ينعكس في برنامج الحزب الديموقراطي الذي جرت الموافقة عليه خلال المؤتمر الوطني للحزب في آب/ أغسطس، والذي دعا إلى مواجهة الصين «من دون اللجوء إلى حروب الرسوم الجمركية الأحادية الجانب، أو الهزيمة الذاتية، أو الوقوع في فخّ الحرب الباردة الجديدة». وعليه، قد يسعى بايدن إلى التقليل من أهمية العنصر العسكري في المشاركة الأميركية في آسيا، بعدما أعطت إدارة ترامب الأولوية لمبيعات الأسلحة هناك.
بالنسبة إلى البعض، نجح ترامب في وضع خطّ لا يمكن لأيّ إدارة لاحقة تجاوزه


كذلك، عندما كان نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، كان بايدن من أبرز المدافعين عن نظرية الأخير في التوجّه نحو آسيا. وخلال حملته الانتخابية، انتقد ما رأى أنه نهج ترامب المنفرد تجاه الصين، معتبراً أن الولايات المتحدة بحاجة إلى التحالف مع آسيا وأوروبا لإجبار بكين على الالتزام بقواعد التجارة، متعهّداً بـ«توحيد القوة الاقتصادية للديموقراطيات في جميع أنحاء العالم، لمواجهة الممارسات الاقتصادية التعسّفية». كما سخِر من صفقة ترامب التجارية مع شي، ووصفها بأنها «فارغة»، منتقداً التعريفات التي فرضها الرئيس المنتهية ولايته. مع هذا، هو لم يلتزم بإلغاء الاتفاقية، أو سحب الرسوم الجمركية، بل قال: «سأستخدم التعريفات عند الحاجة إليها، لكنّ الاختلاف بيني وبين ترامب هو أنه ستكون لديّ استراتيجية ــــ خطة ــــ لاستخدام هذه التعريفات للفوز، وليس فقط لتزييف القوة». وفي مناظرة خلال الانتخابات التمهيدية، قال: «إذا لم نضع القواعد، فسنجد أنفسنا أمام واقع وضع الصين للقواعد، ولهذا السبب نحتاج إلى تنظيم العالم لوقف الصين، لوقف الممارسات الفاسدة الجارية». وبالمثل، وعد باتّباع نهج أكثر عالمية لمواجهة تأثير شركات التكنولوجيا الصينية، مثل «هواوي» و«تيك توك».
من جهة أخرى، تعهّد بايدن بسياسة "أكثر اتّساقاً" في شأن حقوق الإنسان. إذ قال في بيان حملتهِ في آب/ أغسطس: «سأعيد القيَم إلى مركز سياستنا الخارجية، بما في ذلك كيفية تعاملنا مع العلاقة بين الولايات المتحدة والصين»، واعداً بـ«التنفيذ الكامل» لـ«قانون هونغ كونغ لحقوق الإنسان والديموقراطية»، الذي وقّعه ترامب العام الماضي. واتّهم الصين بممارسة "إبادة جماعية" بحق أقليّة الأويغور، داعياً إلى بذل جهد دولي حيال ذلك.
باختصار، يريد بايدن مواجهة الصين عبر إحياء التحالفات، ولكن ذلك قد لا يكون سهلاً في ظلّ التغييرات في "المشاعر" العالمية تجاه الولايات المتحدة. هنا، تكفي الإشارة إلى أن حشد الحلفاء من أجل احتواء بكين كان الدافع وراء مشروع أوباما للشراكة عبر المحيط الهادئ، في صفقة تجارية ضخمة بين 12 دولة مطلّة على المحيط، استُبعدت منها بكين، لكن تلك الشراكة ما لبث أن ألغاها ترامب بمجرّد تولّيه منصبه. وكان بايدن قد دعم الصفقة عندما كان عضواً في إدارة أوباما، لكنه قال خلال مناظرة تمهيدية للحزب الديموقراطي، العام الماضي، إنه سيصرّ على إعادة التفاوض على «أجزاء» منها، وهو ما سيواجَه بإرث صدام ترامب مع دول صديقة مثل كندا والمكسيك في شأن التجارة، أغضب الحلفاء الرئيسيين وألحق الضرر بالقيادة الأميركية في الخارج، كما تقول النائبة السابقة للممثل التجاري الأميركي، ويندي كاتلر. هذه الأخيرة تختصر الواقع بإشارتها إلى أن «هناك قدراً كبيراً من عدم الثقة بين حلفائنا وشركائنا تجاه الولايات المتحدة، وخصوصاً في ما يتعلّق بالتجارة. وبصراحة، الدول سئمت منّا بشكل متزايد».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا