شكّلت كتابة مذكّرات الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، مشروع تقاعده الرئاسي المُبكر. فهو أراد وظيفةً أقلّ صخباً، وتفرّغ طوال سنوات أربع لتسليط الضوء على أعوامه الثمانية التي أمضاها في البيت الأبيض (2009-2017)، بمجلَّدَين، صدَر أولّهما، يوم أمس، بعنوان "أرض الميعاد"، لـ"إعطاء نظرة ثاقبة على الأحداث والأشخاص الذين أدّوا دوراً مهماً في سنوات رئاستي"، يقول أوباما.
في ختام فترة رئاستي (2017)، صَعدنا ميشيل وأنا إلى الطائرة الرئاسية مرّة أخيرة، واتّجهنا غرباً في إجازة أُرجئت طويلاً... في الطائرة، كان الجوّ حلواً ومرّاً. كنّا مرهقَين، بدنيّاً وعاطفيّاً. ليس السبب مشقّة السنوات الثماني فحسب، ولكن أيضاً النتائج غير المتوقّعة للانتخابات، والتي جرى فيها اختيار خلفٍ لي، يتناقض تماماً مع كل ما نؤمن به. مع ذلك، وحيث إننا أتممنا السباق إلى الآخر، كنّا نشعر بالرضى لعلمنا بأننا بذلنا كل ما في وسعنا، ولعلمنا، أيضاً، بأنه مهما شابَ فترتي الرئاسية من تقصير، ومهما كانت المشاريع التي كنت أتمنّى إنجازها وأخفقت في إتمامها، لكنّي تركت البلد في وضع أفضل ممّا كان عليه، يومَ تسلّمته.
■ ■ ■

رجوتُ أن أقدِّم وصفاً أميناً للفترة التي قضيتها في الرئاسة، وليس مجرّد تدوين أهمّ الأحداث التي وقعت تحت ناظريّ، والشخصيات المهمّة التي تعاملت معها، وإنّما، أيضاً، سرداً لبعض التيارات السياسية والاقتصادية والثقافية غير السلسلة التي ساعدت في صياغة التحديات التي واجهتها إدارتي، والاختيارات التي مضى فيها فريقي تجاوباً معها. وحيثما تسنّى، أردت أن أمنح القرّاء إحساساً بما يعنيه أن يكون المرء رئيساً للولايات المتحدة. أردت أن أفتح الستارة قليلاً، وأذكِّر الناس بأن الرئاسة، بكل ما تشتمل عليه من نفوذ، ما هي سوى وظيفة، وبأن حكومتنا الفدرالية، إنّما هي مشروع بشري مثلها مثل غيرها، وبأن الرجال والنساء الذين يعملون في البيت الأبيض يمرّون بالتجربة اليومية نفسها من الرضى والخيبة والاحتكاك المكتبي والإخفاق... وأخيراً، أردت أن أروي حكاية شخصيّة لعلّها تُلهم الشباب الذين يفكّرون في العمل في القطاع الحكومي: كيف بدأ عملي في عالم السياسة في البحث عن مكان يمكن أن أندمج فيه... وكيف أنّني فقط عندما ربطت عربتي بشيء أكبر من ذاتي، تمكَّنت أخيراً من أن أجد المجتمع المناسب لي والغاية التي أنشدها في حياتي.
من الإنصاف القول إن عملية الكتابة لم تمضِ بالضبط كما خطّطت لها


قَدَّرت أن في إمكاني أن أفعل ذلك في 500 صفحة، وتوقّعت أن أنتهي من الكتاب في غضون عامٍ واحد.
من الإنصاف القول إن عملية الكتابة لم تمضِ بالضبط كما خططت لها. فعلى رغم حساباتي، ظلّ الكتاب يزداد طولاً ومجالاً، ما جعلني أقرّر، في النهاية، أن أوزّعه على مجلَّدين اثنين. أُدرك تماماً أن كاتباً أكثر موهبة مني لربّما كان في إمكانه إيجاد سبيل ليقصّ الحكاية نفسها باختصار أكبر. ولكن في كل مرّة كنت أجلس فيها للكتابة، وجدت عقلي يقاوم السرديّة الخطيّة البسيطة.

■ ■ ■

أدرك أن ثمّة من يعتقدون بأن الوقت قد حان للتخلُّص من الأسطورة، وأن التمعُّن في ماضي أميركا وإلقاء نظرة سريعة على العناوين الرئيسة في يومنا، تثبت أن مُثُلَ هذه الأمّة كانت على الدوام ثانوية، يأتي قبلها باستمرار الغزو والقهر، ومنظومة من التمييز العنصري والرأسمالية الشرسة، وأن التظاهر بغير ذلك ما هو سوى تواطؤ في اللعبة التي شابها التلاعب والتزوير منذ البداية. أعترف بأنه كانت هناك أوقات أثناء تأليف كتابي، عندما كنت أتذكر فترة رئاستي وكل ما جرى منذ ذلك الوقت، وحينما كنت أسأل نفسي عمّا إذا كنت مقتصداً جداً في الصدح بالحقيقة كما رأيتها، بسبب الحذر الشديد، كلاماً وفعلاً، وقد تحقّقت لديّ القناعة بأنني، من خلال التوجّه نحو ما أطلق عليه لينكولين "الملائكة الأفضل في طبائعنا"، أملك فرصة أكبر في قيادتنا في اتجاه أميركا التي وُعِدنا.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا