حتى وقت متأخّر من مساء أمس، كانت نتائج انتخابات الكونغرس تُظهر بقاء مجلس النواب تحت سيطرة الديموقراطيين، بينما أبقى الجمهوريون سيطرتهم على مجلس الشيوخ. في نظرة أولية ومباشِرة، يمكن القول إن الانتصار هو الانتصار، ولكن في حال كان جو بايدن الفائز بالرئاسة، فإن ذلك يعني أن ظروفاً مُقيِّدة ستقابله، الأمر الذي ربّما لم يحسب له الديموقراطيون حساباً، على اعتبار أنهم فشلوا في تحقيق التنبّؤات التي تقول باستعادتهم مجلس الشيوخ. ولكن ماذا يعني ذلك عملياً؟ أولاً، في هذه الحالة، سيكون بايدن أوّل رئيس أميركي، منذ 32 عاماً، يتسلّم منصبه من دون سيطرة حزبه على الكونغرس، وهي ديناميكية أخرى من شأنها إضعاف تطبيق أجندته، وعرقلة إمرار التشريعات التي يدفع بها الديموقراطيون. ثانياً، سيبقى الجمهوري ميتش ماكونيل مسؤولاً عن مجلس الشيوخ، محافِظاً بذلك على دوره، باعتباره السياسي الأكثر أهمية في واشنطن. وفي حال فوز بايدن، سيتعيّن عليه التعامل معه، ما يرجّح استعادة ماكونيل الدور الذي أدّاه في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، عندما لم يكن لديه حافز لمساعدته على تحقيق الإنجازات التشريعية. هذا فضلاً عن أن حركة الديموقراطيين المناهِضة لتعطيل عمل الكونغرس، ومصلحتهم في توسيع المحكمة العليا ومجلس الشيوخ، كلّها أمور ستتوقّف، إضافة إلى أيّ إصلاحات عملية أخرى، تهدف إلى تعظيم سلطة رئيس ديموقراطي جديد.يبقى هامش المناورة الذي سيسمح لبايدن بالتحرّك، من خلال قدرته على الفوز والحصول على قبول التجمّع الديموقراطي في مجلس الشيوخ، بأكمله، من الأكثر شعبوية مثل بيرني ساندرز، إلى الأكثر تحفّظاً مثل جو مانشين، هذا إضافة إلى ما يصل إلى 10 جمهوريين. النتائج النهائية لا تدعمه كثيراً في ذلك المسعى، ولا سيما أنها لا ترقى إلى مستوى الرفض الهائل لترامب، كما يبدو مرجّحاً، ما يعني أنه سيكون هناك فشلٌ في إثارة نبذ ترامب ضمن الحزب الجمهوري، بحسب ما كان يأمل العديد من الديموقراطيين وأقلية من الجمهوريين. وحتى ولو كان من شأن فوز بايدن، بفارق ضئيل، أن يولّد نقاشاً أكبر حول الضرر الذي ألحقه ترامب بالجمهوريين، إلّا أن نزع «الترامبية»، على نطاق واسع، من الحزب الجمهوري، يتطلّب فوزاً ساحقاً.
مع ذلك، تشير صحيفة «بوليتيكو» إلى أن الرؤساء الذين حقّقوا انتصارات ضيّقة تمكّنوا من التغلّب على ثغراتها. وإذا كان بيل كلينتون، الفائز الأكبر بأغلبية التصويت الشعبي، قد مرّر جزءاً كبيراً من جدول أعمال ولايته الأولى، وفاز بإعادة انتخابه بسهولة، فقد كان للظروف دور في حالة جورج دبليو بوش، صاحب أدنى تصويت شعبي في التاريخ الحديث. إذ تَمكّن هذا الأخير من توسيع السلطات التنفيذية، بشكل كبير، بعد 11 أيلول/ سبتمبر، بينما كان في طريقه لإعادة انتخابه.
سيكون بايدن أوّل رئيس منذ 32 عاماً يتسلّم منصبه من دون سيطرة حزبه على الكونغرس


ولكن ليس هذا هو السيناريو الذي كان يأمل به كثير من الديموقراطيين ويستعدّون له. هم أرادوا حدوث تحوّل دراماتيكي قبل منتصف ليل يوم الانتخابات، ينتهي إلى سحق ترامب و»الترامبية» بشكل لا لبس فيه، واكتساحهم هم لمجلس الشيوخ، عبر الحصول على غالبية قصوى تسهم في إمرار أجندة بايدن. ومن أبرز العراقيل التي قد يواجهونها، بسبب فشل مسعاهم للسيطرة على مجلس الشيوخ، انخفاض فرص صدور تشريع حاسم لمحاربة تغيّر المناخ، حتى إذا فاز بايدن بانتخابات الرئاسة. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة «رويترز» عن خبير الاقتصاد الزراعي في جامعة إلينوي، سكوت إيروين، قوله: «لا أرى أيّ سبيل لإقرار تشريع شامل بشأن المناخ في مجلس الشيوخ. سيظلّ غير مطروح على الطاولة لعامَين آخرَين على الأقلّ، حتى إذا فاز بايدن». كذلك، قال إد هيرس، أستاذ الاقتصاد في جامعة هيوستون: «لن يحظى أحد بتفويض مطلق». وكان بايدن قد تعهّد، في حالة فوزه، بتوجيه الاقتصاد الأميركي نحو عدم التسبّب في أي انبعاثات بحلول عام 2050، لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو وعدٌ يتطلّب سنّ تشريع حاسم لتنفيذه.
علاوة على ذلك، هناك استحقاقات أخرى سيواجهها الكونغرس على مستوى عمله كمؤسسة، منها تجنّب إغلاق الحكومة في كانون الأول/ ديسمبر في وقت الجائحة. إذ إن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، ومجلس النواب الذي يسيطر عليه الديموقراطيون، سيعودان إلى حالة الجمود نفسها التي منعت أيّ تحرّك جديد منذ نيسان/ أبريل، لتحفيز الاقتصاد المتضرِّر من تفشّي جائحة فيروس «كورونا». وسيظلّ الكونغرس يعمل بوضعه الراهن حتى أوائل كانون الثاني/ يناير. ويأتي ذلك بعدما كان يعمل منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر على ميزانية مؤقتة يحلّ أجلها يوم 11 كانون الأول/ ديسمبر، وبعدما فشل مجلس الشيوخ في إقرار أيٍّ من 12 تشريعاً للإنفاق ضرورياً لإدارة أنشطة الدولة.
ولا يملك أيّ من الحزبين الرئيسين، في الأسابيع الأخيرة من العام، قوة دفع، إذ لم تغيّر انتخابات الثلاثاء توازن القوى في المجلسين. وعلى المحكّ، إنفاق تقديري للأغراض الدفاعية وغير الدفاعية، قيمته 1.3 تريليون دولار. ولا يشمل ذلك برامج ضخمة، مثل خطة معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية وبرامج الرعاية الصحية الاتحادية للفقراء وكبار السن، كما لا يشمل تمويل الطوارئ لمواجهة الكوارث الطبيعية والأوبئة، وأيّ أحداث أخرى غير متوقعة.
ويُظهر التاريخ أن الكونغرس عادة ما يتوصّل إلى تسويات بشكل أكثر سلاسة بعد الانتخابات. وفي هذا السياق، يقول جوردان تاما، الأستاذ في الجامعة الأميركية: «من الأسهل على بعض الأعضاء التصويت لمصلحة مشاريع قوانين قد لا تسعد بعض كتل الناخبين... ومشروعات قوانين الإنفاق أفضل مثال على ذلك». لكن تاما، الخبير في شؤون الكونغرس، رأى أنه مع الشكوك المحيطة بنتائج انتخابات الرئاسة، قد يكون «من المستحيل على الكونغرس أن
يكون مثمراً»، ما يزيد من احتمالات إغلاق جزئي للحكومة بعد 11 كانون الأول/ ديسمبر. فضلاً عن ذلك، هناك متغيّر آخر مجهول، وهو هل سيوقّع ترامب على مشاريع القوانين التي يحيلها الكونغرس إليه، في انتظار تنصيب بايدن رئيساً؟

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا