في آذار/ مارس الماضي، وبينما حوصرت المتاجر الكبرى في هولندا من قبل آلاف كانوا يحاولون تخزين ورق التواليت والمعكرونة، اجتاحت مواقعَ التواصل الاجتماعي صور لطوابير طويلة من الناس في أمستردام ومدن أخرى. لم يكن غرض هؤلاء الحصول على المواد الأساسية؛ كانوا ببساطة يصطفّون على أبواب المقاهي للحصول على الحشيش والماريجوانا.
لم يكن هذا المشهد مقتصراً على هولندا، التي شرّعت الاستخدام الفردي للحشيش منذ عام 1976، إذ شهدت عدة دول إقبالاً على شراء المخدرات، بعدما قدّر المتعاطون أن إجراءات الإغلاق ستؤثر على سلاسل توريد المواد المخدّرة وعلى قدرتهم في الحصول عليها.

هذا ما حدث بالفعل، فقد تسببت جائحة كورونا في تعطيل تجارة المخدرات غير الشرعية بطرق لم يُشهد لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. أثّر ذلك على كل دولة تقريباً وعلى العديد من أنواع المخدرات المختلفة، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة.

نقص الكميات ودرجة النقاء

بحسب التقرير، الذي أعدّه مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، فإن تأثير جائحة كورونا على إمدادات المخدرات لم تُعرف بعد بشكل كامل. إلا أن القيود المفروضة على الحدود والقيود الأخرى المرتبطة بالجائحة، أدت بالفعل إلى نقص في المواد المخدرة، وبالتالي إلى تناقص درجة نقاء المخدرات وارتفاع أسعارها.

في فرنسا على سبيل المثال، شهدت تجارة المخدرات انخفاضاً بنسبة تراوح بين 30 و40%، وفقاً لوزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستانير. وهو ما أدى بدوره إلى قفزة في الأسعار ما بين 30 إلى 60% بحسب ما ذكرته المسؤولة في إدارة مكافحة تجارة المخدرات الفرنسية، ستيفاني شربونييه.

أما عن الأسباب، فتؤكد الباحثة في مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، أنجيلا مي، أن الاضطرابات الصغيرة النطاق شائعة في تجارة المخدرات، لكن الفوضى التي شوهدت في الأشهر الأخيرة تكاد تكون غير مسبوقة، مرجعةً ذلك إلى عدة عوامل تتعلق بالعمالة والنقل وغيرها.

وقد شهد موسم حصاد حقول الخشخاش في أفغانستان، أكبر مورد للهيرويين في العالم، نقصاً مفاجئاً في العمال الميدانيين. ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة، فإن الحصاد يشمل عادة أكثر من مئة ألف شخص، لكن بسبب إغلاق أفغانستان حدودها مع باكستان في آذار/ مارس الماضي، لم يعد توفير هذه الأعداد أمراً ممكناً.

في كولومبيا أيضاً، تضرر إنتاج الكوكايين بسبب نقص البنزين. فيما تباطأ إنتاج العقاقير الاصطناعية في المكسيك بسبب نقص المواد الكيميائية الأولية، اللازمة لإنتاج الهيرويين والميثامفيتامين، من جنوب شرق آسيا، نتيجة إغلاق الحدود.

تكيّف في الإنتاج والترويج

عامل آخر يمكن الإشارة إليه هنا، يتعلق بصعوبة تقاضي المقابل المادي لبيع المخدرات. وعن هذا يقول أوتام ديلون، القائم بأعمال مدير إدارة مكافحة المخدرات الأميركية: «هناك زيادة ملحوظة في وجود الشرطة المرتبط بأوامر البقاء في المنزل، واقتران ذلك بإغلاق الحدود، جعل نقل المخدرات شمالاً والمال جنوباً أكثر صعوبة».

لكن خبراء التجارة غير الشرعية يؤكدون أن تجار المخدرات يتمتعون بميزة على غيرهم، فهم معتادون على اكتشاف طرق تهريب بضائعهم، والتشوهات التي يمكن أن تطرأ على سلاسل التوريد الناجمة عن تطبيق القانون.

على هذا الأساس، لم تمنع إجراءات الإغلاق وكل العوائق التي فرضتها الجائحة تجار المخدرات من محاولة التكيف مع الوضع الجديد والحفاظ على استمرار عمل سلاسل التوريد.

إذ لاحظ تقرير الأمم المتحدة ارتفاعاً في أعداد النساء المحليات اللاتي يعملن في حقول الخشخاش بأفغانستان، لتحل محل العمال الذين لا يستطيعون السفر بسبب إجراءات الإغلاق.

أما التحول الأبرز فكان في عمل كارتيلات المخدرات الكبرى، إذ تحوّل عملهم من النقل الجوي والبري إلى الشحن عن طريق البحر لإحضار المنتجات من المكسيك إلى الولايات المتحدة. وقد عملوا على استباق إجراءات الإغلاق بمحاولة إغراق أوروبا بالمخدرات، أملاً بالحفاظ على سوق الكوكايين الذي تبلغ قيمته أكثر من 10 مليارات دولار.

فبحسب بوب فان دين بيرغ، مسؤول إنفاذ القانون لدى مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، فإنه «بناء على ما تم ضبطه من شحنات كوكايين أكبر من المعتاد، يمكن القول إن أوروبا أُغرقت بالكوكايين قبل إجراءات العزل العام».

ويشير فان دين بيرغ إلى أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، تم ضبط 17.5 طناً من الكوكايين في موانئ أميركا الجنوبية، وخصوصاً في البرازيل، كانت متجهة إلى أوروبا، لافتاً إلى أن هذا يمثل زيادة بنحو 20% مقارنة بنفس الفترة من عام 2019.

كذلك ضبطت السلطات البلجيكية في أبريل/ نيسان الماضي، نحو 5 أطنان من الكوكايين داخل حاوية جاءت من أميركا اللاتينية في ميناء أنتويرب، الذي كان نقطة دخول الكوكايين الرئيسية إلى أوروبا العام الماضي، إذ شهد اعتراض أكثر من 60 طناً.

وفي 16 أبريل/ نيسان الماضي، ضبط موظفو الجمارك البريطانيون 14 كيلوغراماً من الكوكايين، تُقدّر قيمتها بنحو مليون جنيه استرليني، كانت مخبأة في شحنة من الكمامات داخل منطقة جمارك نفق القنال الإنكليزي.

«دليفري» و«درونز»

طرق التسليم كذلك شهدت محاولات للتكيف مع الوضع الجديد. ففي نيسان/ أبريل الماضي أصدرت منظمة الشرطة الدولية الإنتربول «إشعاراً أرجوانياً»، لتحذير وكالاتها الأعضاء البالغ عددها 194وكالة من طريقة عمل جديدة تعتمد على عمال توصيلات يستخدمون دراجات هوائية أو نارية أو سيارات.

وقالت المنظمة، في تحذيرها، إن تجار المخدرات يستخدمون خدمات توصيل الطعام كغطاء لنقل المخدرات وغيرها من السلع غير القانونية خلال أزمة فيروس كورونا.

في إسبانيا، أُلقي القبض على سبعة أشخاص تظاهروا بأنهم عمال توصيل في أليكانتي وفالنسيا، بعد العثور على مخدرات في جيوب خفية لحقائب الظهر المخصصة لتسليم الطعام. أما في إيرلندا، فعثرت الشرطة على ثمانية كيلوغرامات من الكوكايين ومسدسين مخفيين في علب البيتزا.

وإلى جانب هذه الأساليب، شهد استخدام الطائرات المسيّرة نشاطاً ملحوظاً. إذ استخدم التجار في عدد من الدول هذه الطائرات لنقل شحنات المخدرات، وتحديداً على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة، بحسب تقرير للأمم المتحدة.

التجارة عبر الإنترنت أيضاً شهدت ازدهاراً خلال أزمة فيروس كورونا. تشير بعض الإحصاءات إلى تحول كبير من التعامل على مستوى الشارع إلى التعامل الرقمي.

وبحسب بحث أعدّته صحيفة الإندبندنت البريطانية، فقد ارتفعت مبيعات تجارة المخدرات على الإنترنت بنسبة 495% في الأشهر الأولى للوباء، وزادت إعلانات نبات القنّب المخدّر بنسبة 555%. في حين كانت أكبر زيادة في قوائم الكوكايين، التي ارتفعت بنسبة 1000%، بين شهري ديسمبر/ كانون الأول وأبريل/ نيسان.

خوفٌ من «جرعات زائدة»

لكن تمكن تجار المخدرات من التكيف مع إجراءات الإغلاق، التي فرضها فيروس كورونا، لا يمثل بحد ذاته عامل الخطورة الوحيد، إذ حذّر العديد من التقارير الدولية من آثار طويلة الأمد.

فبحسب تقرير للأمم المتحدة، فإن تعطّل تهريب المخدرات قد يؤدي إلى تخزينها. يمكن أن يؤدي ذلك، بحسب التقرير، إلى زيادة العرض بمجرد تخفيف القيود، ويمكن أن يغمر الأسواق بمخدرات رخيصة ونقية للغاية، ما قد يؤدي إلى زيادة في الجرعات الزائدة من قبل المتعاطين.

التقرير يضيف بأن المصاعب الاقتصادية، الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، قد تؤدي أيضاً إلى أعباء إضافية على الفقراء، ما قد يدفعهم في النهاية إلى الانخراط في تجارة المخدرات بحثاً عن مورد مادي.

يستغل تجار المخدرات أيضاً تداعيات فيروس كورونا لتعزيز مكانتهم الاجتماعية، من خلال تقديم المساعدة للسكان المحليين. «هناك مؤشرات على أن جماعات الاتجار بالمخدرات تكيّف استراتيجياتها من أجل مواصلة عملياتها، وأن البعض بدأ في استغلال الوضع لتحسين صورتهم بين السكان من خلال تقديم الخدمات، ولا سيما للفئات الضعيفة»، يقول تقرير الأمم المتحدة.

وتلفت صحيفة «فاينانشال تايمز» إلى جانب آخر يتعلق بالتأثير الدائم للأزمة على تجارة المخدرات لجهة تطوير طرق وشراكات جديدة، إضافة إلى الصعود المحتمل للمنظمات التي تستغل الأزمة بشكل أفضل.

وهو الأمر الذي تتوقع فاندا فيلباب براون، خبيرة التجارة غير الشرعية في معهد «بروكينغز»، أن يؤدي إلى دفعة نحو النقل الآلي، تماماً كما يحدث بالنسبة الى الأعمال التجارية القانونية، إذ تقول «بطريقة مماثلة سنصل إلى وقت يقوم فيه تجار المخدرات بتوصيل طلباتك اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية عبر طائرة بدون طيار إلى عتبة النافذة».

في الختام، تجدر الإشارة إلى ما يقوله خبراء الاتجار بالمخدرات واضطرابات التعاطي، لناحية أنه عندما يصعب العثور على المخدرات أو تكون أكثر تكلفة، يلتمس المزيد ممن يعانون الإدمان العلاج. لكن ذلك يطرح مشكلة مركبة في ظل صعوبة الوصول إلى العناية الطبية في العيادات والمستشفيات، إضافة إلى الوضع الذي تعانيه القطاعات الصحية نتيجة تفشي الفيروس.