لا تقرّر أسواق الأسهم اسم الفائز بالانتخابات الرئاسية، غير أنّ التاريخ يُظهر أن الأداء الضعيف للأخيرة، في الفترة التي تَسبق الاقتراع، يجيء غالباً في مصلحة الحزب المنافِس على كرسيّ الرئاسة. وهو ما حدث بالفعل مرّات عدة: فرانكلين روزفلت في عام 1932، وجون كينيدي في عام 1960، وباراك أوباما في عام 2008. في هذه السنوات، استعاد الحزب الديموقراطي البيت الأبيص مِن نظيره الجمهوري، وفيها أيضاً، كان مؤشّر «ستاندرد آند بورز» منخفضاً في الأشهر الثلاثة السابقة ليوم الاستحقاق. تكرّر ذلك في الأعوام 1952 و2000 و2016، حين استعاد الجمهوريون الرئاسة، للأسباب ذاتها.
«سلال وول ستريت»
مع ازدياد تقلّبات السوق على مسافة أسبوعين من الاستحقاق الرئاسي، يعمل المستثمرون على تحليل ما تعنيه استطلاعات الرأي، والأهم السياسات التي سيتبعها الفائز المُحتمل، في ظلّ توقّعات تشير إلى عدم حسم النتيجة في يوم الاقتراع. ويبدو قلق المستثمرين واضحاً مِن جرّاء تحرّكات الأصول التي يستخدمها هؤلاء للمراهنة على التقلّبات. قلقٌ يقود بدوره التحركات في قطاعات يَعتقد المستثمرون أنها ستستفيد من سيطرة حزب أو آخر على البيت الأبيض والكونغرس (ترجّح استطلاعات الرأي على المستوى الوطني اكتساح الحزب الديموقراطي مجلس الشيوخ كما موقع الرئاسة).
تستخدم وول ستريت هذه القطاعات أو الأصول الأخرى التي يُحتمل أن تتأثّر بالسياسات المختلفة لكلا المُرشَّحين، لبناء سلال انتخابية للحزبَين المُتنافسين. سلالٌ يقيس المحلّلون أداءها بهدف تكوين توقّعات لمَن سيفوز بالانتخابات.
الطاقة:
تشمل مكوّنات سلّة الديموقراطيين، الشركات المرتبطة بالطاقة المتجدّدة مثل «صانران» و»نكست إيرا إنرجي» و»تِسلا». ويعود ذلك إلى كون بايدن قدّم خطة بقيمة تريليوني دولار لمكافحة تغيّر المناخ، تشمل استثمارات البنية التحتية للطاقة ودعم الانتقال إلى السيارات الكهربائية، كما اقترح أيضاً حظر إنتاج النفط والغاز.
السياسات الضريبية:
يقوم بعض المستثمرين بموازنة الزيادات المحتملة في ضرائب الشركات، وخصوصاً أن اقتراحات بايدن تقوم على زيادة معدّل ضريبة الشركات مِن 21% إلى 28%، ورفع الضرائب على الدخل الأجنبي للشركات الأميركية، ما يقلب جزئياً قانون التخفيضات الضريبية والوظائف لعام 2017. ويقدّر محلّلو مجموعة «غولدمان ساكس» أن السياسات الضريبية لبايدن يمكن أن تقطع 9% من أرباح «ستاندرد آند بورز»، على رغم أن زيادة الإنفاق المالي وإلغاء التعريفات الجمركية، لو حدث، يمكن أن يعوّضا هذا الانخفاض.
السجون الخاصة:
مجال آخر مِن السوق يعكس التوقّعات للسياسات الديموقراطية: مشغّلو السجون الخاصة. ارتفعت أسهم شركات «جي اي أو غروب» و»كور سيفيك» في عام 2016 بعد انتخاب ترامب، نظراً إلى موقفه المتشدّد إزاء الهجرة غير الشرعية، لكنها انخفضت بنسبة 30% هذا العام في ظلّ تعهّد بايدن بإنهاء استخدام الحكومة الفدرالية للسجون الخاصة.
التجارة والبنية التحتية والرعاية الصحية:
ينقسم المستثمرون أكثر حول كيفية تفسير التحوّلات المحتملة في السياسات التي تؤثّر على التجارة والإنفاق على البنية التحتية والرعاية الصحية. بعضهم يأمل أن يؤدّي المزيد من الوضوح في شأن السياسة التجارية مع الصين، إلى تعزيز أسهم شركات أشباه الموصلات مثل «إنتل» و»مايكرون تكنولوجي». على الجهة الأخرى، دعا كل من الديموقراطيين والجمهوريين في الأشهر الأخيرة إلى زيادة الإنفاق على البنية التحتية لإصلاح الطرق السريعة والجسور في البلاد، لكن التشريع لم يتم تمريره بعد. وكانت أسهم شركات مواد البناء مثل شركة «فولكان ماتيريالز» و»غرانيت كونستراكشن» قد ارتفعت في عام 2016 بعد انتخاب ترامب، وسط آمال بمشروع قانون للبنية التحتية، لكنّها تراجعت منذ ذلك الحين.

ترامب والسوق: علاقة مضطربة
ارتفعت الأسهم في كل مرّة كانت استطلاعات الرأي فيها تشير إلى انخفاض حظوظ ترامب. حدث ذلك في الفترة التي سبقت فوزه برئاسيات 2016. في ذلك الحين، ارتفعت الأسهم بصورة حادّة في أعقاب المناظرة الرئاسية الأولى، بفعل الأداء السيئ لترامب، ثم عاودت الارتفاع مرّة أخرى بعد نشر مقطع مصوّر يُظهر المفاخرات الجنسية للأخير. وفي المرّة الثالثة حين أعلن «مكتب التحقيقات الفدرالي» أنه في صدد النظر في مجموعة جديدة من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون، ارتفعت أسهم ترامب الانتخابية، بينما هوت الأسهم الأميركية.
ليلة انتخابات عام 2016، تراجعت العقود الآجلة للأسهم وسط قلق المستثمرين من أن فوز ترامب سيضرّ بأرباح الشركات بفعل سياساته التي لا يمكن التنبّؤ بها، فضلاً عن دعوته إلى فرض قيود على التجارة. لكنّ توجهاً آخر غير متوقّع بدأ في الظهور، حين أعيد افتتاح سوق العقود الآجلة، وبدأ المتداولون استيعاب حقيقة فوز ترامب. ما هي إلا ساعات قليلة، حتى استعادت الأسهم نحو ثلثي خسائرها. وبحلول الوقت الذي افتتحت فيه الأسواق الرئيسة، في صباح اليوم التالي، للتداول المنتظم، كانت الأسهم قد عادت تقريباً إلى مستويات ما قبل الانتخابات الرئاسية.
يعمل المستثمرون على تحليل ما تعنيه استطلاعات الرأي والأهم السياسات التي سيتبعها الفائز المُحتمل


يفسّر البعض صعود الأسواق بالقول إن الانتخابات حدّت من حالة عدم اليقين، والأسواق تكره عدم اليقين. تمكّنت الانتخابات من حلّ مسألة غامضة، ولكن بطريقة زادت من عدم اليقين بصورة أكبر، فانتقلت الأسواق من حالة مواجهة الاحتمال المجرَّد بأن المرشّح الأسوأ سيفوز، إلى حالة اليقين بأنه أصبح رئيساً. وثّق علماء النفس ما يسمّونه «الوهم المركّز»، ووصفه عالم الاقتصاد السلوكي الذي يبحث في علم نفس اتخاذ القرارات، دانيال كانيمان، بأنه فكرة مفادها بأن «لا شيء في الحياة على قدر الأهميّة الذي تعتقده في أثناء تفكيرك فيه». ربما وقع المستثمرون في خطأ مماثل، عندما تجاهلوا تماماً مجموعة من العوامل المهمّة التي تشكّل سياسات كل من ترامب وهيلاري. لعل واقع الاستيقاظ على رئيس جديد يحكم البلاد تسبب في كسر لهذا التفكير، أو ربما، كما قالت شركة «بريدجووتر وشركاه» لإدارة الاستثمار: تحوّل المستثمرون من التركيز على «الرجل» إلى التركيز على «سياسات الرجل».



تخلٍّ عن النقد
على مدى الأسبوع المنصرم، سحب المستثمرون العالميون قرابة 26 مليار دولار من صناديق النقد، وضخّ هؤلاء 17.6 مليار دولار في السندات، و8.6 مليارات أخرى في أسواق الأسهم، بينما سجّلت الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري دخول تدفّقات بقيمة 1.8 مليار دولار (ثالث أكبر مبلغ على الإطلاق). بحسب «بنك أوف أميركا» الذي استند في تحليلاته إلى بيانات شركات تتبّع التدفقات المالية، فإن مبلغاً كبيراً قدره 24 مليار دولار جرى ضخه في صناديق الأسهم في خلال الشهر الماضي، بينما جرى استثمار 12.2 مليار دولار في صناديق السندات المصنّفة عند درجة جديرة بالاستثمار، ومرتفعة العائد. من جهته، أفاد بنك الاستثمار الأميركي بأن المستثمرين سحبوا 237 مليار دولار من صناديق أسواق النقد، ما يسلّط الضوء على بقاء النقد عند 4.4 تريليونات دولار، وهو رقم ما زال مرتفعاً.
(رويترز)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا