أكثر من خمسة أشهر مرت على الهجوم الذي طال السفارة الكوبية في واشنطن فجر 30 نيسان/ أبريل الماضي، حين أقدم شخص مسلّح ببندقية AK-47 على إطلاق 32 رصاصة على مبنى السفارة. في هذه الأثناء، لا تزال حكومة الولايات المتحدة تلتزم الصمت إزاء الحادث، على رغم التزام جميع الدول بحماية البعثات الدبلوماسية تماشياً مع "اتفاقية فيينا" لعام 1961.واشنطن كانت اعتقلت مطلق النار، ويدعى ألكسندر ألازا (42 عاماً) بعد التعرّف إليه، والذي اعترف لاحقاً بنيّته القتل. إلّا أنها تجاهلت الإدانة العلنيّة للحادثة، فضلاً عن أنها لم توجّه أيّ ادعاءات "إرهابية" لألازا، على رغم تأكيد وزارة الخارجية الأميركية على لسان ناطقٍ باسمها، أن الجهاز الأمني المشارك في التحقيقات، ملتزم بالعمل على «تطبيق القانون لحماية البعثات الأجنبية في الولايات المتحدة». هذا الأمر الذي عدَّته هافانا "تساهلاً" من قِبَل الحكومة الأميركية، ربطته أيضاً بالسياسة العدائية التي تنتهجها واشنطن في عهد دونالد ترامب، بعدما أطاح هذا الأخير جهود سلفه باراك أوباما، الذي سعى إلى تطبيع علاقات بلاده مع الجزيرة الكاريبية بعد سنوات طويلة من العداء والحصار.
لم توفر كوبا أيّ مناسبة للتذكير بالصمت الأميركي إزاء ما حدث لبعثتها الدبلوماسية، وإدانته؛ إذ قدّمت أكثر من احتجاج في هذا السياق، وسط تجاهل تام من قِبَل الولايات المتحدة. آخر هذه الإدانات جاء على شكل بيان نشرته السفارة الكوبية لدى لبنان، تناولت فيه أبرز مستجدات العدوان الذي أحدث أضراراً مادية جسيمة في مبنى البعثة الدبلوماسية الكوبية، وعرّض الدبلوماسيين الكوبيين الموجودين في المبنى لخطر شديد. وطالب البيان الحكومة الأميركية بتصنيف هذا الهجوم على أنه "عمل إرهابي، وإدانته علناً»، مؤكداً ضرورة "مشاركة الولايات المتحدة كوبا قي جميع المعلومات المتعلقة بالهجوم، وإلّا فإن عدم القيام بذلك يرقى إلى الصمت المتعمَّد والتسامح مع الإرهاب".
دياز كانيل: أكثر من 11 دبلوماسياً كوبياً قتلوا على أيدي الجماعات الإرهابية في الولايات المتحدة


واعتبرت السفارة أن الصمت الأميركي "يدلّ على تساهل إدارة ترامب وتسامحها مع التحريض على العنف والعداء ضدّ كوبا من قِبَل السياسيين والجماعات المتطرفة المناهضة لهافانا"، مضيفةً أن كوبا، ومنذ اللحظة الأولى للهجوم، "استنكرت هذا العمل باعتباره عملاً إرهابياً بقصد القَتل، وهو نتيجة مباشرة للسياسة العدوانية والعدائية لحكومة الولايات المتحدة ضد الجزيرة، لكن حكومة واشنطن ظلّت متردّدة في تصنيفه على هذا النحو. وظهر ذلك من التُهم الموجّهة للمعتدي حيث لم يتم تصنيف أي منها على أنها إرهابية". وتابعت السفارة، قائلةً إن «موقف إدارة ترامب يتناقض في هذه الحالة مع خطابها الخاص بمكافحة الإرهاب. وبينما تدرج كوبا في قائمة مزيفة للبلدان التي لا تتعاون مع جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، فإنها لا تعترف بأن الهجوم على سفارتنا هو عمل إرهابي، ما يدل على تاريخها في إرهاب الدولة ضد كوبا والحصانة التي تتمتع بها الجماعات المتطرفة داخل أراضيها». ولفتت إلى أن هافانا «تستنكر مرة أخرى ازدواجية المعايير التي تتبعها حكومة الولايات المتحدة في تعاملها مع الإرهاب ومواجهته، والذي لا يمكن القضاء عليه بالكامل طالما استمر استخدام التلاعب والانتهازية السياسية والانتقائية وفقاً للمصالح الجيوسياسية والهيمنة».
موقف السفارة يأتي ضمن سلسلة مواقف كوبية مشابهة بدأت ليلة تنفيذ الاعتداء، وآخرها كان يوم 22 أيلول/ سبتمبر الماضي، حين قال الرئيس الكوبي، ميغيل دياز كانيل، في المناقشة العامة للدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إنه «على رغم أن حكومة الولايات المتحدة تصدر كل أسبوع بيانات ضد كوبا أو تفرض قيوداً جديدة، من المفارقات، مع ذلك، أنها رفضت وصف الهجوم الذي نُفِّذ ضد السفارة الكوبية في واشنطن العاصمة في 30 نيسان 2020 بالإرهابي». واعتبر دياز كانيل أن «الحقيقة أن الإرهاب لا يزال يشكّل تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي. لا يمكن القضاء عليه إذا سادت المعايير المزدوجة والتلاعب والانتهازية السياسية والانتقائية»، مشيراً إلى أن العدوان المسلّح بقصد القتل هو «نتيجة مباشرة للسياسة العدوانية التي تنتهجها حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا والتسامح والتحريض على العنف من قبل السياسيين والجماعات المتطرفة المناهضين لكوبا». وذكر الرئيس الكوبي أن بلاده «لا تنسى تاريخ الإرهاب الطويل ضد دبلوماسييها. وزارة الخارجية الكوبية لديها 11 شهيداً، قُتلوا بعنف على أيدي الجماعات الإرهابية في الولايات المتحدة، أحدهم في عام 1980 في شارع وسط مدينة كوينز، في نيويورك». وختم حديثه بالقول: «إنهم يخفون تاريخ إرهاب الدولة ضد كوبا وإفلات الجماعات العنيفة في أراضيهم من العقاب. وبدلاً من ذلك، هناك أدلة ملموسة على تعاون كوبا الثنائي مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والجهود المشتركة في إنفاذ القانون وتطبيق القانون».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا