منذ اندلاع القتال بين أرمينيا وآذربيجان في 27 أيلول/ سبتمبر، لم يُظهر الطرفان أيّ رغبة في التوصّل إلى تسوية. إلّا أن وزارة الخارجية الآذربيجانية أعلنت، أمس، أن وزير خارجية البلاد سيتوجّه، اليوم، إلى جنيف لإجراء لقاء مع الوسيط الدولي في نزاع ناغورني قره باغ، من دون عقد أيّ اجتماع مع ممثلين عن أرمينيا. وأوضحت الوزارة أن «هدف الزيارة لقاء رؤساء مجموعة مينسك في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (روسيا وفرنسا والولايات المتحدة)، وعرض موقف آذربيجان من تسوية النزاع». من جهتها، استبعدت أرمينيا، على لسان متحدّثة رسمية، أيّ لقاء بين وزراء آذربيجان وأرمينيا في جنيف، لأنه «لا يمكن التفاوض من جهة والقيام بعمليات عسكرية من جهة أخرى»، مستنكرة "العدوان" الآذربيجاني على قره باغ. ولم توضح إذا ما كان وزير الخارجية الأرميني سيذهب إلى جنيف لحضور اجتماع منفصل مع رؤساء «مجموعة مينسك»، التي تحاول من دون جدوى منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً حلّ النزاع. وعن اجتماع جنيف، اكتفت الخارجية الفرنسية بتأكيد «المشاورات على مستوى رؤساء مجموعة مينسك». إلّا أن من المقرّر أن يصل الوزير الأرميني إلى موسكو في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف.
في هذا الوقت، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مقابلة مع التلفزيون الحكومي «روسيا» بثّها الكرملين، ما يجري "مأساة هائلة. هناك أناس يموتون. نأمل أن يتوقف هذا النزاع في أسرع وقت ممكن». وأضاف بوتين، الذي أجرى أوّل مباحثات هاتفية مع نظيره الآذربيجاني إلهام علييف: «إن كان من غير الممكن وقف هذا النزاع بشكل نهائي، لأننا بعيدون عن ذلك، فإننا ندعو على الأقلّ، وأشدّد على ذلك، إلى وقف لإطلاق النار»، مؤكداً أنه «ينبغي تحقيق ذلك في أقرب وقت ممكن».
وحتى الآن، نأت روسيا بنفسها عن النزاع، وهي تقيم علاقات جيّدة مع طرفيه اللذين تمدّهما بالسلاح، لكنها أقرب إلى أرمينيا، العضو في حلف عسكري تُهيمن عليه موسكو. إلّا أن رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، وجّه تحذيراً مبطّناً إلى آذربيجان من توسيع النزاع، مُذكّراً بتحالفه العسكري مع الشقيق الأكبر الروسي. وقال في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»: «إنني واثق من أن روسيا ستفي بالتزاماتها إذا تطلّب الوضع ذلك». وهو ما أكّده بوتين خلال المقابلة المتلفزة، إذ أعلن أن روسيا «ستحترم التزاماتها في إطار منظمة المعاهدة الأمنية الجماعية»، مستدركاً بأن المواجهات «لا تجري على أراضي أرمينيا»، بل على أراضي ناغورني قره باغ، الإقليم المدعوم من يريفان. لكن في حال امتدّ النزاع إلى الأراضي الأرمينية، فإن ذلك قد يحمل روسيا على التدخّل، ولا سيما أن لديها قاعدة في أرمينيا. وكان المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف، أكثر صراحة، إذ قال إن التزامات روسيا بموجب المعاهدة «لا تشمل قره باغ». وأشار إلى أن وجود مقاتلين سوريين يمثّل «خطراً كبيراً وسبباً لقلق روسيا البالغ».
أكد روحاني أن بلاده لن تتساهل مع وجود «إرهابيين» على حدودها


وفي سياق متّصل، أكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أن بلاده لن تتساهل مع وجود «إرهابيين» على حدودها، في إطار النزاع بين جارتَيها أرمينيا وآذربيجان، محذّراً من تحوّله إلى «حرب إقليمية». وتأتي تصريحات روحاني بعد اتهامات من دول عديدة لتركيا، الداعمة لآذربيجان، بنقل عناصر من مجموعات موالية لها في شمال سوريا، للقتال إلى جانب قوات باكو. وقال الرئيس الإيراني، في كلمة متلفزة خلال اجتماع للحكومة الإيرانية: «من غير المقبول بالنسبة إلينا أن يرغب البعض في نقل إرهابيين من سوريا وأماكن أخرى إلى مناطق قريبة من حدودنا، تحت ذرائع مختلفة. كنّا واضحين في إبلاغ جارتينا آذربيجان وأرمينيا بذلك».
وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان - إيف لودريان، قد أكّد، في وقت سابق، أن تركيا تتدخّل «عسكرياً» في نزاع ناغورني قره باغ إلى جانب آذربيجان، مُجدّداً مخاوف بلاده من «تدويل» الصراع. وفي تصريح أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية، قال لودريان إن «الجديد في الأمر هو وجود تدخّل عسكري لتركيا، ما قد يؤدي إلى تأجيج تدويل الصراع». وأسف لـ«وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين من أجل تحقيق تقدّم طفيف في الأراضي من جانب آذربيجان، بما أن آذربيجان هي التي بدأت النزاع».
في هذه الأثناء، حوّل القصف الذي نفّذته القوات الآذربيجانية، ستيباناكرت، المدينة الرئيسة في قره باغ، إلى مدينة أشباح مليئة بالذخيرة غير المتفجّرة والحفر الناجمة عن القذائف. وقال أرتاك بلغاريان، المسؤول المكلّف بملف حقوق المدنيين في أوقات الحرب في قره باغ: «بحسب تقديراتنا الأولية، نزح نحو خمسين في المئة من سكّان قره باغ، أي ما يعادل نحو سبعين إلى 75 ألف شخص».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا