قبل ظهور وباء «كورونا»، وعودة مسألة العنصرية المؤسِّسة إلى واجهة الحدث في الولايات المتحدة، بدا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لن يحتاج إلى كثير جهدٍ لتأمين إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، ولا سيما أنه ركن إلى إنجازات على المستوى الداخلي عمادها اقتصاد قويّ ومعدّلات بطالة عند أدنى مستوياتها التاريخية (3.5%). عاملان كان مِن شأنهما أن يعطياه هامش مناورة مريحاً أمام أيّ خصم مُفترض. لكن ذلك تغيّر مع ظهور الوباء الذي خلّفت تداعياته على الاقتصاد معدّلات بطالة قياسية ارتفعت في بعض الأحيان إلى 25%. في غضون أشهر قليلة، امّحت إنجازاتٌ اعتقد ترامب يوماً أنها تُشكّل بطاقته الوحيدة الرابحة إلى فترةٍ ثانية.مع ذلك، سعى مؤتمر الحزب الجمهوري، الذي اختتم فعالياته يوم أمس، إلى تذكير الأميركيين بإنجازات ما قبل الوباء: قانون خفض الضرائب لعام 2017، والصفقات التجارية التي أُعيد التفاوض في شأنها مع كندا والمكسيك وكوريا الجنوبية، وما كانت في يوم من الأيام نِسبَ بطالة منخفضة. والحجّة أن الأمور كانت جيّدة طوال السنوات الثلاث الأولى من عمر إدارة ترامب، وستصبح أفضل فيما لو وقع الخيار عليه مجدّداً. «في فترةٍ رئاسية جديدة، سنبني مرّة أخرى أعظم اقتصاد في التاريخ، وسنعود بسرعة إلى التوظيف، وسنزيد الدخول، ونحقّق الازدهار»، أو - اختصاراً - «سنجعل أميركا أعظم من أيّ وقت مضى»، كما صوّرها الرئيس الأميركي في خطابه أمام المؤتمر.
حتى بالنسبة إلى «تاجر» محترف مثل ترامب، لن تكون الصفقة سهلة مثلما يحاول تصديرها، في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة أزمات متزامنة صحّية واقتصادية واجتماعية، فضلاً عن تظاهرات حاشدة احتجاجاً على العنصرية وعنف الشرطة ضدّ السود، تخلّلها مقتل متظاهرين، وكلّها ظروف تزيد من الغموض في شأن نتائج انتخابات الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر.
وإن كان سياق كهذا مدمّراً لطموحات أيّ رئيس، فإن استراتيجية إدارة ترامب صارت واضحة: الحديث عن أميركا جو بايدن. بعد دقائق من بدء خطابٍ تجاوز الساعة في الليلة الرابعة والأخيرة من مؤتمر الحزب الجمهوري، وضع الرئيس الأميركي ما بدا أنه إطار عام للانتخابات المقبلة: معركة من أجل إنقاذ الحلم الأميركي وأسلوب الحياة الأميركي. «هذه الانتخابات ستقرّر ما إذا كنّا سنحمي الأميركيين الملتزمين بالقانون أو ما إذا كنّا سنطلق العنان للمحرّضين الفوضويين الذين ينتهجون العنف، والمجرمين الذين يهدّدون مواطنينا»، محذّراً من أن بايدن سيدمّر «العظمة الأميركية». وقبل أقلّ من سبعين يوماً مِن الانتخابات الرئاسية، اختصر ترامب حصيلة عمل خصمه بـ»الخيانات» و»الأخطاء»: إنه دمية في يد «اليسار الراديكالي» و»حصان طروادة للاشتراكية» لن يسوق فوزه الولايات المتحدة إلا إلى مزالق الخطر والفوضى، فهو ممثّل لطبقة سياسية فاشلة، «أمضى كلّ مسيرته في الجانب الخاطئ من التاريخ». لذلك: «لن يكون أحد بأمان في أميركا بايدن». وأكّد ترامب أن فوز المرشّح الديموقراطي لن يؤدّي إلّا إلى تفاقم الصراع العرقي وجائحة «كورونا»، بينما أشاد طويلاً باستجابته للوباء، متعهّداً بـ»سحقه» قريباً، ومؤكداً «(أننا) سنحصل على لقاح قبل نهاية العام، وربّما في وقتٍ أبكر من ذلك».
ترامب: سنبني مرّة أخرى أعظم اقتصاد في التاريخ


يعتقد ترامب بأن ما نجح في خطابه أمام مؤتمر الحزب الجمهوري في كليفلاند قبل أربع سنوات، كان دعواته المتكرّرة إلى «القانون والنظام». بعد أربع سنوات، تَكشّف سياق آخر: التظاهر بأن الكارثة لم تحدث، أو الادّعاء بأن الأزمة الحقيقية ليست الوباء أو الركود الاقتصادي أو وحشية الشرطة، بل طاعون الأجانب غير الشرعيين والحدود المفتوحة والهجمات على أجهزة تطبيق القانون. كلّ النداءات القديمة - المشفّرة عنصرياً - لقواعد ناخبيه تمّ تجديدها وإعادتها على خلفية الاحتجاجات هذا الصيف، والتي بدأت بقتل جورج فلويد على يد الشرطة في مينيابوليس، وتصاعدت مرّة أخرى، هذا الأسبوع، بعد إطلاق الشرطة النار على شاب أسود آخر هو جاكوب بليك في كينوشا/ ويسكنسن. وما حدث طوال المؤتمر لم يكن سوى إعادة تدوير لما ردّده كثيراً: أنا مرشح القانون والنظام وأقاتل من أجله، خصمي «أسير القوى اليسارية الشريرة». هذا ما قاله عن هيلاري كلينتون في عام 2016، وهو ما أعاده مجدّداً ليلة الخميس لدى الإشارة إلى جو بايدن.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا