بكثير من الحزم يتعاطى المستوى السياسي في طهران مع الإعلان الأميركي – الإسرائيلي – الإماراتي تطبيع العلاقات بين كيان العدو ودبي. ردود الفعل الإيرانية على هذه الخطوة والتحذير من خطورتها على القضية الفلسطينية أوّلاً نابعة من القراءة الإيرانية لمحاولات العدو الإسرائيلي وضع قواعد اشتباك جديدة وخلط موازين القوى باتجاه إرساء معادلة إضافية تلقفتها طهران بالتمعن وتتعامل معها بكثير من الجدية.المعادلة الجديدة التي ترسم في المقلب الآخر من الحدود الإيرانية تعتمد على قاعدة الرد بالمثل. فإسرائيل تتهم إيران بالوجود على حدود الكيان في سوريا وتقوم ليل نهار بمحاولة ضرب هذا الوجود بكل السبل المتاحة عسكرياً وأمنياً، وبالتالي كان يجب على واشنطن أن تمنح كيان العدو ورقة جديدة لتوضع في ميزان المعادلات والتوازنات، فكان الوجود الإسرائيلي على الحدود الإيرانية من خلال تطبيع العلاقات مع الإمارات.
ليس خفياً على أحد أن مدينتي دبي وأبو ظبي تمثلان قاعدة عمل استخبارية ضد إيران، إضافة إلى العاصمة الآذرية باكو، وطبعاً غيرهما من الدول، إلا أن هاتين الدولتين تعدّان الأكثر تورّطاً في العمل ضد إيران، إذ تعتبر هذه المناطق عصب العمل الأمني في الحديقة الخلفية لطهران، وهذا ما يثبته العديد من الوقائع عن نشاط الموساد في محطة الإمارات، والذي يستهدف الداخل الإيراني بعمليات اغتيال وتفجير وتجنيد، ويعتبر القاعدة اللوجستية لعمليات إدارة المعارضة والإعلام ضد النظام الإيراني.
اعتقال زعيم جماعة «جند الله» عبد المالك ريغي، عام 2010، تم بعد وصوله إلى دبي جواً آتياً من أفغانستان حيث ألقي القبض عليه وهو في الطائرة التي كانت متجهة من دبي إلى عاصمة قرغيزستان بيشكك للقاء مسؤولين أمنيين أميركيين. في آب/أغسطس 2014 انطلقت طائرة تجسّس إسرائيلية بدون طيار من طراز «هرمس 450» من الأراضي الآذرية لتسقطها الدفاعات الجوية الإيرانية فوق منشأة نطنز النووية.
إذاً لا جديد في الوضع التجسّسي في المحيط الإيراني المتأزم منذ أيلول/سبتمبر 2001، إلا أن ما يلفت الانتباه هو اختيار الإمارات لتكون أوّل المطبّعين خليجياً وليس سلطنة عمان التي زارها و يزورها قادة العدو الإسرائيلي بشكل دوري على المستوى الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي. من هنا يمكن استنتاج أن واشنطن أرادت اختيار الإمارات لاعتبارات ولغايات تحقق أهدافاً قد توصف بالاستراتيجية للإدارة الأميركية وإسرائيل. فالإمارات تقع على المنطقة الحدودية «صفر» بحراً مع إيران، وبالتالي نقل النفوذ الاسرائيلي إلى الحدود الإيرانية وفقاً لمعادلة الوجود الإيراني في سوريا، يقابله الوجود الإسرائيلي في الإمارات، ما يعني أن فتيل الصراع الحالي بين إيران ودول الخليج المتمحور حول صراع سياسي وخلافات في القراءات العامة للأطر الحاكمة للمنطقة لن ينفجر بسبب عدم وجود فتيل اشتعال أو حجة مقنعة لوجود «اعتداء»، ما يفقد الحراك ضد إيران «الشرعية الدولية».
أمّا في ما يخص تحديد الصراع مع الإمارات وتحييد باقي دول الخليج فله ميزة متقدمة، لكون حكام الإمارات لديهم خلاف حدودي مع طهران يتمثل في الجزر الثلاث المتنازع عليها منذ السبعينيات، وبالتالي يمكن للإسرائيلي التحرك في إطار هذا الخلاف وتعزيز تعاونه مع الإمارات ضمن اتفاقيات دفاعية مشتركة لمواجهة «الاحتلال الإيراني» للجزر في الخليج. وعليه أصبح لدولة عربية هاجس التهديد المشترك مع كيان العدو، ما قد يقود إلى نشر قواعد عسكرية إسرائيلية، خفية أو علنية، ومعدات قتالية دعماً للإمارات بوجه «العدو المشترك».
أراد الأميركي إيصال رسالة لطهران بأن العمق الاقتصادي التجاري مع الإمارات سينتهي لصالح إسرائيل التي ستحاول تعويض بعض الاستثمارات ورؤوس الأموال الإيرانية التي بدأت تغادر دبي، في حين أن واشنطن غير مهتمة بالاقتصاد الإماراتي بقدر تمكّنها اليوم من التغلغل لمراقبة النشاط الإيراني الالتفافي على العقوبات أكثر فأكثر.
من هنا، يمكن تفسير تحذير إيران للإمارات من «العواقب الوخيمة» لهذه الخطوة وتحميلها المسؤولية عن أي نتائج قد تترتب عن أي حادثة أو وجود عسكري إسرائيلي في مياه الخليج. فطهران قد لا يمكنها أن تبقى مكتوفة الأيدي وترى القطع البحرية الإسرائيلية تجوب مياه الخليج وترسو على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود الإيرانية في الموانئ الإماراتية. ولا يمكن أن تشهد أيضاً وبصمت مناورات جوية إماراتية إسرائيلية محتملة في السماء المجاورة لها. أمور يعرف الأميركي والإسرائيلي مدى استفزازها لإيران، ويعرف جيداً إمكانية الرد الإيراني عليها. فالطرفان يدركان حجم المعركة الصامتة الطاحنة الدائرة الآن، والتي قد تتدحرج بصمتها لتدوي انفجاراً هائلاً قد يغيّر الكثير من موازين القوى في المنطقة، ستكون فيها الإمارات المنتشية بـ»سلامها التاريخي» أول المحترقين بنارها، لتغرق بين قوى متصارعة اُستُخدِمت فيها مشيخات الخليج دمى يتلاعب بها الأميركي و الإسرائيلي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا