تتسارع وتيرة التطوّرات في بيلاروسيا، حيث تتواصل الاحتجاجات للأسبوع الثاني على التوالي، توازياً مع حراكٍ أوروبي يبدو أنه قرّر الاستفادة من «اللحظة» البيلاروسية، للوقوف إلى «جانب الشعب» عبر رفض نتائج الانتخابات الرئاسية التي جاءت بألكسندر لوكاشنكو رئيساً لولاية سادسة. نتائجُ أسفرت عن اضطرابات لم تشهدها البلاد في ما مضى، بعد اتهامات تزوير ساقتها المعارضة ضدّ الرئيس الحائز 80% من الأصوات، وفق ما بيّنت الأرقام الرسمية. في هذا الوقت، يبدو الأخير عازماً على التصدّي لموجة الاضطرابات التي باتت تهدّد بالانزلاق إلى فوضى تدخلات خارجية شتّى، فيما لا تزال روسيا - رغم استعدادها - بمنأى عن أيّ تدخل يعيد إلى الأذهان تجربتها في أوكرانيا، ولا سيما أن علاقة موسكو بمينسك تلقّت مجموعة ضربات، شكّلت واقعة احتجاز مواطنين روس بزعم انتمائهم إلى «فاغنر»، آخرها.توازياً مع الحراك في الشارع البيلاروسي وحركة الإضراب الواسعة، لم تهدأ تحرّكات الأوروبيين منذ إعلان فوز حليفهم لوكاشنكو في انتخابات التاسع من آب/ أغسطس الجاري. وبعد أيام قليلة من اجتماع على مستوى وزراء الخارجية تناول التطورات في مينسك، عقد الاتحاد الأوروبي، يوم أمس، قمّة استثنائية حول بيلاروسيا، وعد في ختامها رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، بفرض عقوبات إضافية على عدد «مهمّ» من قادة النظام المسؤولين عن «أعمال العنف والقمع والتزوير الانتخابي»، معلناً وقوف التكتُّل «إلى جانب» شعب بيلاروسيا، فيما أكّدت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن دول الاتحاد الـ27 لا تعترف بنتائج الاقتراع. وإذا استُثنيت مسألة «شرعية الانتخابات»، فإن تهديد الأوروبيين بعقوبات شكلية تقتصر على بعض المسؤولين من دون التهديد بفرض عقوبات اقتصادية من شأنها أن تنهك البلاد، يعني أن هؤلاء ليسوا على استعداد - بعد - لحرق المراحل، قبل تأمين بديل يجرّ البلاد أكثر إلى منطقة نفوذهم بعيداً عن روسيا.
البديل المطروح راهناً ليس إلا منافِسة لوكاشنكو في الانتخابات، والتي بات يُطلق عليها «زعيمة المعارضة»، سفيتلانا تيخانوفسكايا. هذه الأخيرة دعت الأوروبيين صراحةً، قبل انطلاق قمّتهم، إلى رفض نتائج الانتخابات الرئاسية «المزوّرة»، لأن لوكاشنكو، بحسب ما تقول، «فَقَد كلّ شرعية في نظر أمّتنا والعالم»، فضلاً عن أن «الناس الذين ذهبوا للدفاع عن أصواتهم في شوارع مدنهم في كلّ أنحاء بيلاروسيا تعرّضوا للضرب المبرح وأُدخلوا السجن وتعرّضوا للتعذيب من قِبَل نظام يتمّسك بيأس بالسلطة». ما يثير الريبة، استناداً إلى تجارب كثيرة سابقة، إقدام المعارضة على إنشاء «مجلس تنسيقي» يهدف إلى «تسهيل الانتقال السلمي للسلطة عبر الحوار»، على أن يدعو «فوراً إلى (تنظيم) انتخابات رئاسية جديدة عادلة وديموقراطية تحت إشراف دولي». هذا التطوّر دفع الرئيس البيلاروسي إلى اتهام المعارضة بالسعي إلى الاستيلاء على السلطة، وبأنها تريد قطع الجسور مع روسيا، وهو ما نفته ماريا كوليسنيكوفا، إحدى شخصيات المعارضة؛ إذ قالت خلال مؤتمر صحافي: «أريد أن أؤكد للجميع موقفنا الرسمي، وهو أننا سنبقي على علاقات ودّية ومفيدة للطرفين وبراغماتية مع روسيا وكذلك مع أوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي».
لوكاشنكو، المتمسّك بموقفه، جَمَع لليوم الثاني على التوالي، أمس، مجلس الأمن الوطني، وأصدر أوامر بـ»وقف الاضطرابات في مينسك، لأن الناس تعبوا ويطالبون بالسلام والهدوء». كما أمر بتشديد الرقابة على الحدود، مؤكداً أنه «يجري إدخال ناشطين وذخائر وأموال من بلدان أخرى إلى بيلاروسيا لتمويل الاضطرابات». كما طالب الجيش بإيلاء «اهتمام خاص بتحركات قوات الحلف الأطلسي على أراضي بولندا وليتوانيا»، المتاخمتين لبيلاروسيا، داعياً إلى «عدم التردّد في توجيه القوّات المسلحة وعتادها نحو تحركاتها». وبدا لافتاً ما جاء على لسان الأمين العام لـ»الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، الذي دعا الحكومة البيلاروسية إلى احترام جميع الحقوق الأساسية، مشيراً، في تغريدة له عبر «تويتر»، إلى أنه بحث في مكالمة هاتفية مع الرئيس البولندي، أندريه دودا، التطورات الأخيرة في بيلاروسيا. وقال: «يقظون ومستعدون لحماية جميع حلفائنا»، مشيراً إلى أن «الناتو» لا يشكّل تهديداً ولا يحشد عسكرياً في المنطقة.
وكان القادة الأوروبيون حضّوا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أول من أمس، على الضغط على لوكاشنكو من أجل تشجيع حوار، فيما أكّد الكرملين مجدداً، يوم أمس، أن الأزمة السياسية في بيلاروسيا «شأن داخلي»، ودان «محاولات التدخل الأجنبي». من جهته، اتهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأوروبيين بالسعي إلى التدخل خدمةً لمصالحهم «الجيوسياسية» الخاصة، إذ يرون في الأزمة «معركة لحيّز ما بعد الحقبة السوفياتية».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا