تزامنت رحلة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى دول وسط أوروبا وشرقها، وقرارَ «البنتاغون»، نهاية الشهر الماضي، خفض عديد القوّات الأميركية المرابطة في ألمانيا لإعادة نشر جزء منها في بلجيكا وإيطاليا كما بولندا ودول البلطيق، لأسباب يختصرها الرئيس دونالد ترامب بتخلّف برلين عن سدَاد مساهمتها في «الناتو»، بينما يؤكِّد وزير دفاعه، مارك إسبر، أن الخطوة استراتيجية، وتأتي في إطار ردع روسيا.غير أن رحلة بومبيو الأوروبية لهذا العام، والتي استهلّها مِن براغ، ستُركِّز، إلى جانب طرح مسألة الاستقلال عن روسيا في مجال الطاقة، على الصين، وتحديداً في سياق استبعاد عملاق الاتصالات، «هواوي»، مِن تطوير شبكات الجيل الخامس في البلدان التي يزورها. على مدى خمسة أيام، سينتقل المسؤول الأميركي من تشيكيا إلى سلوفينيا والنمسا وأخيراً بولندا، حيث ساعدت الولايات المتحدة في دفع أندريه دودا، أخيراً، للفوز بولاية رئاسية ثانية. وارسو، الملتزمة بـ»دفع فواتيرها» لـ»الأطلسي» بخلاف برلين، استحقّت تزويدها بألف جندي أميركي - مِن الذين غادروا ألمانيا -، سينضمّون إلى نحو خمسة آلاف آخرين، في خطوة تؤكد موسكو أنها تُوجّه «ضربة» إلى الاتفاق الأساسي بينها وبين «الحلف»، ولا سيما أن من شأن سياسات كتلك أن «تزيد مِن تعقيد الأوضاع العسكرية والسياسية المعقدة أصلاً». هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية، سيسعى «الفاتح»، بومبيو، إلى الضغط على حليفة إدارته لاستيضاح موقفها إزاء بكين، بعدما أكدت، سابقاً، أنها لا تستطيع طرد «هواوي»، لأن الكثير من شبكات الهاتف المحمول في البلاد تستخدم معدّات الشركة الصينية.
تحضر على جدول أعمال بومبيو، أيضاً، مسألة الاستقلال الأوروبي عن روسيا في مجال الطاقة. هدّد الوزير الأميركي، قبل شهر، بفرض عقوبات إضافية على شركاء مشروع «السيل الشمالي 2» لمدّ خطّ أنابيب غاز روسي إلى ألمانيا، تعارضه بولندا بشدّة، خشية تعزيزه نفوذ روسيا في أوروبا. وبحسب كبير المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية المكلّف بشؤون أوروبا، فيل ريكر، فإن بلاده «كرّست جهودها لمساعدة تلك الدول في العثور على مصادر بديلة، حتى تتمكّن من تنويع مصادرها بعيداً عن روسيا».
لكن المهمّة الأساسية للوزير الأميركي تتمثّل، خصوصاً، في حشد دعم «الحلفاء» لمواجهة الصين؛ إذ إن جميع الدول التي تشملها الجولة «أصدقاء عظماء لأميركا»، كما أكد بومبيو، لكن ليس إلى حدّ التخلّي عن مصالح حيوية، مثل شبكات الجيل الخامس. الأكيد أن الوزير سيشتغل على استغلال الرحلة لتشجيع «تحالف الراغبين» في أوروبا على مواصلة «مقاومة الضغط الصيني»، والدعوة إلى «تجميع الديموقراطيات في تحالف دولي» يتحدّى «القرن الصيني الذي يحلم به (الرئيس الصيني) شي جين بينغ».
تتمثّل مهمّة بومبيو في حشد دعم «الحلفاء» لمواجهة الصين


بخلاف العام الماضي، لن يتوقف بومبيو، هذه السنة، في المجر، عقاباً لتجاهلها التحذيرات الأميركية، ومباشرتها بناء شبكة الجيل الخامس بالتعاون مع «هواوي». بالنسبة إلى بولندا وتشيكيا، المشمولتين بالجولة، فهما تتبعان خطّ هذه الإدارة عن كثب، ما يعني أن قرار بومبيو استبعاد سلوفاكيا والمجر من جولته يبعث برسالة إلى هذين البلدين. استقبال حارّ سيكون في انتظار المسؤول الأميركي لدى لقائه رئيس الوزراء التشيكي، أندريه بابيش، اليوم. وربّما تكون الحكومة بقيادة هذا الملياردير، الذي يُطلق عليه «ترامب التشيكي»، مِن بين أكبر المعادين لـ»هواوي» في أوروبا، خصوصاً أنها منعت الشركة من تطوير شبكات جديدة في عام 2018، في خطوة مبكرة ساعدت في التأثير على النقاش السياسي الأوسع في جميع أنحاء دول الاتحاد الأوروبي. في هذه الأثناء، لا تزال الصين تعمل جاهدة لتحدّي الحظر، إذ تأمل الحصول على بعض المساعدة من الرئيس ميلوس زيمان، الذي أمضى السنوات الأخيرة في تنفيذ سياسة خارجية بديلة، تسعى إلى توجيه تشيكيا شرقاً. إلى لقائه بابيش ومسؤولين آخرين يدفعون بالسياسة الحكومية الرسمية الموالية للغرب، سيعطي بومبيو وقتاً قليلاً لزيمان، علّه يقتنع بالتخلّي عن تأييده روسيا والصين.
في النمسا، حيث خفت نفوذه، سيظلّ بومبيو يأمل إحراز بعض التقدّم. سيناقش مستويات القلق المتزايدة من «جهود التجسّس الصيني» في المنطقة خلال زيارته فيينا، حيث يتصدّر التعاون في مجال الأمن جدول الأعمال. مع ذلك، وعلى رغم مشاركة وجهة نظر مماثلة مع إدارة ترامب في شأن قضايا مثل الهجرة والشرق الأوسط، لن يكون في مقدور بومبيو إقناع رئيس الوزراء النمسوي، سيباستيان كورتز، بالتخلِّي عن مشاركة شركة نمسوية في بناء خطّ أنابيب «السيل الشمالي 2»، أو تطبيق سياسة واشنطن في شأن «هواوي». أما في سلوفينيا، فسيوقّع بومبيو اتفاقاً على صلة بأمن شبكات الجيل الخامس، بعدما تحسّنت العلاقات بين البلدين أخيراً، على خلفية تحوّل ليوبليانا، في عهد رئيس الوزراء جانيز جانسا، إلى الشعبوية القومية. وفيما تواصل الصين التعلّق بآفاق العلاقات الاقتصادية والاستثمار مع سلوفينيا، وتحاول إقناعها بعدم «الاستسلام للنفوذ الأميركي»، ثمة دلائل تشير إلى استعداد جانسا، الممثل الكوميدي السابق، لجعل سياسة ليوبليانا الخارجية أكثر انسجاماً مع السياسة الأميركية.
مِن دون أن يأتي على ذكر أسماء، لمّح بومبيو، عشية رحلته، إلى أن استراتيجية المشاركة الأميركية في أوروبا الوسطى والشرقية ستتواصل في الخلفية. واعترف بأن «من الصعب على بعض الدول الصغيرة» الانضمام إلى الحملة المناهضة للصين: «إنهم يخشون أن يتمّ اصطيادهم. بعضهم، لهذا السبب ببساطة، لا يملك القدرة والشجاعة للوقوف معنا في الوقت الراهن».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا