مرَّ عام بالتمام على قرار حكومة ناريندا مودي الهندية إلغاء الوضع القانوني الخاص لإقليم جامو وكشمير. قرارٌ رافقه حظر شبه تامّ على حركة السكان، فضلاً عن إجراءات أمنية غير مسبوقة جعلت من هذه المنطقة، المتنازع عليها بين نيودلهي وإسلام آباد، شبه معزولة عن العالم. بقرارها إلغاء الحكم الذاتي للإقليم وتفكيكه ليصبح مكوّناً من إقليمَين اتحاديَّين منفصلَين إدارياً (وُضعا تحت وصاية العاصمة)، هما: «جامو وكشمير» و«لاداخ»، تكون الحكومة الهندوسية القومية قد ألغت الهوية الوطنية الخاصة بالكشميريين، بعدما سمحت بتغيير الواقع الديموغرافي للمنطقة ذات الغالبية المسلمة.بين الخامس من آب/ أغسطس 2019، الذي مثّل محطّة فاصلة في مسيرة صعود حزب مودي، «بهاراتيا جاناتا» (حزب الشعب)، والذكرى الأولى لضمّ الإقليم، أحداث ستحفر عميقاً في ذاكرة مَن عايشوها مِن أهله. أبَى مودي إلّا أن يضيف إلى الذكرى نكهةً خاصة؛ فأطلق، يوم أمس، ورشة بناء معبدٍ هندوسي على أنقاض مسجد بابري الذي أدّى تدميره في عام 1992، إلى «بروفا» حربٍ أهلية راح ضحيّتها المئات. ومع تشييد معبدٍ مخصّص للإله رام في موقع يرتدي طابعاً رمزياً للتوتُّر الطائفي في مدينة أيوديا شمال البلاد، وتغيير وضع كشمير، يطلق رئيس الحكومة إشارتين قويّتين في شأن البناء الجاري لأمّة هندوسية في الهند.
بالنسبة إلى حزب «بهاراتيا جاناتا»، لم يأتِ الوضع الخاص الذي كان ممنوحاً لكشمير بشيء، «سوى الإرهاب والنزعة الانفصالية والمحاباة والفساد على مستويات كبيرة»، بحسب كلمات مودي السنة الماضية. فإلغاء الحكم الذاتي الذي «ما كان ينبغي أن يُعطى أصلاً»، عبر إبطال المادة 370 من الدستور الهندي (تُعطي صلاحيات واسعة لحكومة هذا الإقليم ذي الغالبية المسلمة)، كان وعداً انتخابياً قطعه رئيس الحكومة على نفسه في خلال حملة الانتخابات التي حملت القوميين إلى السلطة في نيودلهي عام 2014. ولمنع أيّ احتجاج مِن قِبَل سكّان الإقليم الموعودين بـ«السلام والازدهار»، فرض الحزب الحاكم لأشهر طويلة قيوداً صارمة على التنقلات والاتصالات والإنترنت، ووضع آلاف الأشخاص قيد الحجر من دون توجيه التهم إليهم. المادة الملغاة، كانت قد وضعتها كشمير شرطاً رئيساً لقبول الانضمام إلى الهند عند استقلالها عام 1947، وبموجبها يحصل الإقليم على استقلال ذاتي في تسيير شؤونه، باستثناء ما يتعلّق بمسائل الدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات التي تتولّاها الهند، إلى جانب حماية قانون الجنسية، الذي منع الغرباء من الاستقرار في الأراضي وامتلاكها، خشية تغيير البنية الديموغرافية لهذه المنطقة وإلغاء الهوية الكشميرية. تلك أيضاً أُلغيت، بعدما مُنح حقّ شراء الأراضي الذي كان سابقاً محصوراً بأبناء كشمير، لعشرات الآلاف مِن خارجها.
أطلق مودي ورشة بناء معبدٍ هندوسي على أنقاض مسجد بابري


واستباقاً لأيّ تحرّك محتمل في الذكرى السنوية الأولى لإلغاء الحكم الذاتي لكشمير، فُرض حظر للتجوال في الإقليم اعتباراً من الثلاثاء، ووضعت أسلاك شائكة وحواجز معدنيّة لإغلاق الطرق الرئيسة في المنطقة المضطربة. ورغم الاستعدادات الأمنية المشدّدة، هاجم مسلّحون قوات الأمن الهندية بالقنابل والبنادق يوم أمس. على الجانب الآخر من الحدود، كانت كبرى المدن الباكستانية تقود مسيرات تضامنية، رفضاً لخطوة الهند التي «ظهرت أمام العالم، مرّة أخرى، بصورة الظالم والمعتدي»، وفق رئيس الوزراء عمران خان الذي قاد بنفسه إحدى المسيرات في كشمير الباكستانية.
في هذا الوقت، أزاح مودي، الذي خاض حزبه «بهاراتيا جاناتا» حملةً منذ أكثر من ثلاثة عقود لإعادة بناء معبد الإله رام، الستار عن اللوحة التذكارية في مدينة أيوديا. وفي ختام الاحتفال، قال أمام جمعٍ من المؤمنين: «ينتهي اليوم انتظار استمر قروناً»، بعدما حسمت المحكمة العليا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي هذا الملف المتفجّر الذي يسمّم السياسة الهندية منذ عقود، مانحةً الموقع المتنازع عليه إلى الغالبية الهندوسية لبناء معبد على أنقاض مسجد دمّره متطرفون، فيما أعطت المسلمين أرضاً جديدة في منطقة أبعد. وتؤكّد مجموعات هندوسية أن هذه الأرض البالغة مساحتها 1,1 هكتار وتقع في ولاية أوتار براديش، هي مكان ولادة الإله رام، وهي تطالب منذ فترة طويلة ببناء معبد مكرّس له في الموقع، إذ تقول إن السلطان المسلم، بابر، بنى فيه، في القرن السادس عشر، مسجد بابري، بعدما دمّر معبداً للإله رام الذي يعتبر التجسيد السابع للإله فيشنو، حافظ الكون في المعتقد الهندوسي. واشتدّ الجدل الذي غذّاه القوميون الهندوس ـــــــ وكانوا حينها في المعارضة ـــــــ في شأن الموقع في ثمانينيات القرن الماضي، حتى بلغت الحملة المتعلّقة بموقع أيوديا ذروتها في السادس من كانون الأول/ ديسمبر 1992 بتدمير متطرّفين هندوس مسجد بابري، ما أدّى إلى اندلاع اقتتال أهليّ قتل على إثره أكثر من ألفي شخص.