ليس واضحاً بعد الطريق الذي ستسلكه العلاقات الصينية ــ الأميركية من الآن فصاعداً. قرار إدارة دونالد ترامب إغلاق ممثليّة دبلوماسية صينية في كبرى مدن الولايات المتحدة يبدو تمهيداً لما هو قادم. بات السؤال يدور راهناً حول مصير العلاقات، واحتمال ذهاب واشنطن إلى خطوة مجنونة قد تنتهي إلى قطعها من أساسها، لو وجد الرئيس الأميركي في مواجهة مِن ذلك النوع ما يمكن أن ينقذ رئاسته ويفتح أمامه أبواب البيت الأبيض لأربع سنوات إضافية. على أن كل الاحتمالات واردة في ظلّ الرئاسة الحالية، ووسط التصعيد المتنامي، فإن الإشارات الأميركية المتضاربة أعادت خلط الأوراق، ولا سيّما بعد إعلان وزير الدفاع، مارك إسبر، أن بلاده «لا تريد مواجهة» مع بكين، بل هي ترغب في «علاقات إيجابية ومثمرة» معها.في هذا الوقت، أضيفت جبهة خلاف جديدة، فإلى جانب التجارة والوباء وهونغ كونغ وشينجيانغ وبحر الصين الجنوبي، قرّرت الولايات المتحدة خفض التمثيل الدبلوماسي الصيني في البلاد، وأمرت بإغلاق قنصلية بكين في هيوستن، ممهلةً دبلوماسيّيها ثلاثة أيام للمغادرة (للصين خمس قنصليات في الولايات المتحدة وسفارة في واشنطن). «الاستفزاز السياسي» الذي من شأنه أن يسيء إلى العلاقات الدبلوماسية، على حدّ تعبير المتحدث باسم الخارجية الصينية، وانغ وين بين، سيقابله «ردّ بإجراءات مضادة صارمة»، وخصوصاً أن الحكومة الأميركية «تضايق الدبلوماسيين الصينيين والموظّفين في القنصلية منذ وقت»، فضلاً عن «ترهيب الطلاب الصينيين واستجوابهم ومصادرة أجهزتهم الإلكترونية الشخصيّة، بل احتجازهم». وفي حين لم تأت الخارجية الصينية على الإشارة إلى طبيعة الردّ، أكّد مصدر مطّلع، نقلت عنه وكالة «رويترز»، أن بكين تدرس إصدار أمر بإغلاق القنصلية الأميركية في ووهان.
على عكس ترامب وبومبيو، أكد إسبر أن بلاده لا تريد مواجهة مع الصين


قرار إدارة ترامب إغلاق البعثة الصينية لا يزال ملتبساً. ورغم ذلك، برّرت الولايات المتحدة، على لسان المتحدثة باسم خارجيتها، مورغان أورتاغوس، ذلك بدعوى «حماية الملكية الفكرية الأميركية ومعلومات الأميركيين الشخصية»، مذكّرة على هامش زيارة وزير الخارجية، مايك بومبيو، لكوبنهاغن، بأن «النظام الشيوعي الصيني مارس في الماضي عملية تجسّس ضخمة» في الولايات المتحدة، وتدخّل «في سياستها الداخلية». أما بومبيو، فلم يشأ أن يضيف المزيد على تلك التبريرات، لكنّه ندّد مجدّداً بـ«سرقة الحزب... الملكية الفكرية. الأمر يتعلّق بمئات آلاف الوظائف التي سرقها»، مشيراً إلى توجيه القضاء الأميركي، أول من أمس، التهم إلى صينيَّين اثنين بشنّ حملة تجسّس إلكتروني على مدى عقد سرقا خلاله معلومات عن تصميمات أسلحة ومعلومات عن أدوية وبرمجيات، إضافة إلى بيانات شخصيّة وبيانات شركات تجري أبحاثاً على لقاح مضاد لـ«كوفيد ــ 19». كما قال الوزير إن «الرئيس ترامب قال كفى»، مهدّداً باتخاذ تدابير جديدة كلّما تصرّفت الصين «عكس» ما تريده بلاده. كذلك، تحدّث رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، ماركو روبيو، عن خلفية القرار، موضحاً أن القنصلية الصينية هي «في صلب شبكة واسعة للتجسّس ولعمليات نفوذ الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة»، وأن إغلاقها كان مقرّراً منذ «وقت طويل»، فيما أمهل «الجواسيس 72 ساعة للمغادرة تحت طائلة تعرّضهم للتوقيف».
كان لهذه الأنباء وقع صادم على الأسواق المالية، فتولّدت عنها نوبة مخاوف من المخاطرة في تداول الأسهم الأوروبية. وفتح المؤشران «ستاندرد آند بورز» و«داو جونز» على تراجع أمس، إذ ألقى تصاعد التوترات بين البلدين بظلاله على التفاؤل حيال جولة جديدة من التحفيز المالي للاقتصاد الأميركي الذي يعصف به الفيروس. لكن في تصريحات تناقض دعوة بومبيو، من لندن، إلى تشكيل ائتلاف عالمي لمواجهة بكين، أعلن وزير الدفاع الأميركي أنه ينوي زيارة بكين قبل نهاية السنة، لفتح قنوات الاتصال بين العسكريين، آملاً تبديد التوتر معها. وقال إسبر خلال ندوة إلكترونية نظّمها «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» أول من أمس: «قبل نهاية السنة، آمل أن أزور الصين للمرّة الأولى بصفتي وزيراً للدفاع بهدف تحسين التعاون في القطاعات التي لدينا فيها مصالح مشتركة، ووضع أنظمة الاتصال اللازمة في وقت الأزمة»، مؤكداً أن بلاده «لا تريد مواجهة» مع بكين، بل ترغب في «علاقات إيجابية ومثمرة»، وفي «فتح قنوات اتصال وخفض المخاطر».