إسطنبول | بغياب الاهتمام الإعلامي دولياً، لا يزال التوتر يخيّم على الحدود المشتركة بين أرمينيا وآذربيجان، العدوّتين اللدودتين عرقياً ودينياً وسياسياً وعسكرياً. بعد الاتصالات التي أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والدفاع سيرغي شويغو، مع الآذربيجانيين، بدأ حوالى 150 ألفاً من القوات الروسية، البرية والجوية، مناورات واسعة على طول الحدود الروسية مع آذربيجان وجورجيا وأرمينيا، كرد فعل على المعلومات التي تحدثت عن احتمالات التدخل التركي المباشر في الاشتباك الآذربيجاني-الأرميني. سبقت ذلك تصريحات متتالية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ووزيري الدفاع والخارجية، هدّدوا وتوعدوا فيها أرمينيا بسبب «عدوانها» على «الشقيقة آذربيجان». وردّدت التصريحات الرسمية، ومعها الإعلام التركي الموالي، أن «تركيا على استعداد لتلقين أرمينيا الدرس الذي تستحقه»، وهو ما تسعى إليه أنقرة منذ فترة طويلة، إذ يقوم الضباط الأتراك بتدريب الجيش الآذربيجاني (قوامه حوالى 200 ألف مقابل 27 ألفاً للجيش الأرميني الذي هزم آذربيجان وسيطر بين 1991 -1992 على إقليم ناغورني قره باغ ذي الأغلبية الأرمنية، كما هو استولى على 7 أقضية آذرية تحيط بالإقليم).بدأت أنقرة في السنوات الأخيرة بتسليح الجيش الآذربيجاني، خاصة بالطائرات المسيّرة. وحرب الطائرات المسيّرة بين آذربيجان وأرمينيا بدأت قبل خمس سنوات، إثر شراء آذربيجان أسلحة ومعدات حربية من إسرائيل، منها طائرات مسيّرة متطوّرة من طراز «أربيت هارمس» و«أوربيتار» و«هاروب». وأقامت تل أبيب في المقابل قواعد أو مراكز عسكرية واستخبارية عديدة في مختلف الأراضي الآذربيجانية. استهدفت إسرائيل بذلك الجارة إيران لمراقبة كل التحركات العسكرية، وخاصة في المواقع النووية شمال إيران وشرقها، القريبة من الحدود مع آذربيجان. وهو ما تقوم به قاعدة «كوراجيك» شرق تركيا، التي أقامها الأميركيون عام 2011، وتحدّث الإعلام التركي والأميركي والأوروبي آنذاك عن مهمّة هذه القاعدة لرصد كل التحرّكات العسكرية في سوريا والعراق وإيران ورصد الصواريخ الباليستية الإيرانية التي قد تستهدف إسرائيل، حتى يتسنّى لمنظومات الدفاع الإسرائيلية التصدّي لها قبل أن تصل. وسبق لإسرائيل أن أقامت قواعد تنصّت ورصد قرب العاصمة الجورجية تبليسي، وهي قريبة من إيران، واضطرت إلى إغلاقها بعد الحرب الروسية - الجورجية صيف 2008.
آذربيجان، ذات الأصول القومية التركية والذكريات السيّئة مع الأرمن، رجّحت إسرائيل في تحالفاتها على تركيا. تغطي إسرائيل حوالى 40% من احتياجاتها من البترول الآذربيجاني، فيما تسهم شركة النفط الآذربيجانية «سوكار» في عمليات البحث والتنقيب عن الغاز والبترول قبالة سواحل حيفا. والغريب في ذلك أن هذا البترول يصلها عبر أنبوب النفط الآذربيجاني - التركي الذي يصل ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط. ويقول الإعلام التركي إن سفناً تركية يملكها نجل إردوغان تقوم بنقل هذا البترول، كما البترول الكردي العراقي ومعدات أخرى، إلى ميناء حيفا. كما يدور الحديث في الإعلام التركي عن دور رجال أعمال آذربيجانيين من أصل يهوديّ بدور مهم في كل هذه المعطيات بكل عناصرها، الآذربيجانية والإسرائيلية والروسية والتركية، بل وحتى الأميركية، حيث لهؤلاء علاقات مع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، كما لهم علاقة بالطاقم المقرّب من الرئيس الروسيّ. ومن هؤلاء ليونيد تائيروف، وليونيد وميخائيل غوسمان، وتالمان إسماعيلوف، ويافدا أبراموف جولدشتاين، وأراس أغالاروف (والد الزوج السابق لليلى عالييف، ابنة الرئيس إلهام عالييف)، وفرحات أخمدوف، وزارا ألييف، وكود نيسانوف. وهم جميعاً يحملون الجنسيات الآذربيجانية والروسية والإسرائيلية، والبعض منهم يحمل التركية والأميركية، ويسيطرون على قطاعات واسعة في الحياة الاقتصادية، منها شبكة الخلوي الآذربيجانية والعديد من وسائل الإعلام الآذربيجاني الذي يقوم بالدعاية لإسرائيل وضد القضية الفلسطينية والعرب عموماً، من دون أن يهمل استفزاز الشعور الطائفي والعرقي ضدَّ إيران، كما يتحدث عن مهمات سرّية للموساد لتحريض المواطنين الإيرانيين ذوي الأصول الآذرية الذين يمثّلون 20٪ من سكان إيران.
في موازاة ما تقدّم، لا يمكن أن يغيب عن الأذهان الحديث عن معادلات إقليمية جديدة عبر الصراع الأرميني ــ الآذربيجاني، في ظل مساعي أنقرة لأن يكون لها موطئ قدم في المنطقة، وربما لاحقاً ضد روسيا التي تقف خلف أرمينيا. ويُطرح سؤال هنا عن كيفية منافسة تركيا لإسرائيل، وخاصة في مجال الاستخبارات والصناعات العسكرية المتطورة، بما فيها الطائرات المسيّرة التي سبق لتركيا أن اشترتها من إسرائيل بعد وصول «العدالة والتنمية» إلى السلطة نهاية 2002. في الأثناء، تحاول واشنطن أن تدخل على الخط، إذ أرسلت قبل يومين المدمّرة «Porter USS» إلى البحر الأسود، بعد أسبوعين من المناورات البحرية المشتركة مع تركيا وجورجيا ورومانيا وبلغاريا، حيث تسعى واشنطن لتطوير علاقاتها مع هذه الدول وإقامة قاعدة بحرية في رومانيا، فيما تسعى أنقرة لتطوير علاقات استراتيجية مع أوكرانيا في المجالات العسكرية، بما في ذلك تصنيع محرّكات الطائرات المسيّرة والطائرات الحربية والصواريخ.
ترشّح كل المعطيات باحتمالاتها ومفاجآتها منطقة القوقاز (الحديقة الخلفية لروسيا الفدرالية التي يعيش فيها حوالى 25 مليون مسلم معظمهم قرب القوقاز، أي في داغستان والشيشان والياقوت والقرم) لسلسلة من الأحداث المثيرة بانعكاساتها على مجمل المعادلات الإقليمية والدولية. تقول أنقرة عن جميع المسلمين في المنطقة إنهم من أصل تركي، حالهم حال شعوب الجمهوريات الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي (كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزيا وتركمنستان) والتي توليها تل أبيب أيضاً اهتماماً كبيراً لأنها «الحزام الأخضر الذي يحاصر روسيا»، كما هي تجاور أفغانستان وباكستان ذات القنابل النووية، وإن كانت تحت سيطرة الأميركيين، الذين لديهم قواعد عسكرية في كل الدول التي تجاور وتحيط بإيران، الهم الأكبر لكل الحسابات الغربية والإسرائيلية.