حجز جون بولتون مكانه في البيت الأبيض، مستشاراً ثالثاً للأمن القومي في عهد ترامب. وقتها، أي في نيسان/ أبريل 2018، تصدّر الملف السوري جدول أعمال السياسة الخارجية. كرّر الرئيس أنه يريد «الخروج مِن الحروب الرهيبة في الشرق الأوسط»، فـ«نحن نقتل داعش مِن أجل أعدائنا». انقسم مستشارو ترامب إلى فريقين، منهم مَن أراد البقاء «إلى الأبد»، وآخرون أرادوا البقاء «لبعض الوقت». لكنه هو بدا حازماً في حينه: «لا أريد البقاء على الإطلاق. لا أحبّ الأكراد. هربوا من العراقيين، وهربوا من الأتراك. والوقت الوحيد الذي لم يهربوا فيه، هو حين نقصف حولهم».«ماذا نفعل؟»، سأل الرئيس. بدا واضحاً أنه أراد الانسحاب من سوريا، وقد أوضح ذلك بدقّة في اجتماع لمجلس الأمن القومي في اليوم التالي، وفق ما يروي بولتون. كتب الأخير عن نظرة العديد من المسؤولين الأميركيين إلى مقاتلي «قسد». اللافت أن نظرة معظمهم، كما ترامب، لم تكن إيجابية. وزارة الدفاع كانت أقرب إلى «قسد» مِن وزارة الخارجية، على الأرجح بسبب علاقتها المباشرة مع المقاتلين الذين ترعاهم. لذلك، شكّل قرار ترامب المفاجئ الانسحاب من سوريا وترك حلفائه الأكراد تحت نيران الأتراك، دافعاً لاستقالة وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس. بإبقاء القوات في سوريا، هَدف بولتون وسائر صقور الإدارة إلى مواجهة طهران وموسكو، ورأوا أن تحالف واشنطن - «قسد» ليس سوى ملهاةً عن هذا الهدف.
لم يكن بولتون يحبّ «قسد» لكونها امتداداً لحزب يساري هو «العمّال الكردستاني»، لكنّه، في الوقت ذاته، تخوّف مِن أن يؤدي التخلي عنها إلى دفعها في اتجاه إيران. وصف المستشار السابق للأمن القومي سياسة المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، «المحابية للأتراك»، بأنها «بلاء مزمن لوزارة الخارجية، حيث يصبح المنظور الخارجي أهمّ من منظور الولايات المتحدة». ودخل في صراع مع ماتيس لأنّه كان يركّز على «داعش» بدلاً من إيران، لكنّهما اتّفقا على ضرورة إبقاء أميركا جنودها في المنطقة. ساهم الضغط الإعلامي الكبير في دفع ترامب إلى تبديل موقفه، فأجرى اتصالاً هو الثاني مع نظيره التركي أردوغان، قائلاً له إنه يؤيّد وجود الجيش التركي في المنطقة «طالما أنه يهاجم داعش لا الأكراد». وسط هذا التذبذب، تدخّل رئيس هيئة الأركان حينها، جوزف دانفورد، لتدوير الزوايا، قائلاً إنه لا يزال بحاجة إلى بضعة أسابيع كي ينهي الحرب على «داعش»، مُرجئاً الانسحاب.
يقول بولتون إن ترامب تجاهل تحذيرات نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في شأن مصير «الحرب على داعش»، لأن «تركيا كانت مركّزة على مهاجمة الأكراد، وستقيم تسوية مع داعش». هذا كان رأي بومبيو أيضاً الذي قال إن «أردوغان لا يهتمّ بداعش». وذكر بولتون أنّ الرئيس التركي سعى إلى تطمين ترامب حول النظرة الإيجابية المتبادلة بين الأكراد وتركيا، قائلاً إنّ مشكلة أنقرة هي مع «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديموقراطي» و«وحدات حماية الشعب الكردية» التي لا تمثّل الشعب الكردي. انتهت الأمور إلى إعادة تموضع القوات الأميركية، لحراسة الحقول النفطية شرق سوريا.