تتجاوز مواكبة وباء كورونا في الساحة الإسرائيلية مجرد كونه حدثاً صحياً واقتصادياً، كما جرى في بلدان عديدة، إلى كونه حدثاً مفصلياً في تداعياته على الواقع الاستراتيجي للكيان والمنطقة، وفق السيناريو الأكثر سلبية، إذ إنه طبقاً للسيناريو الأقل سلبية تحول من الآن إلى حدث أضر جوهرياً اقتصادات الدول عامة، على تفاوت في ما بينها. تكفي إطلالة عامة على ما يواجه هذه الدول لتأكيد هذا الطابع (الاستراتيجي) في ما يتصل بكيان العدو إن استمر الفيروس وتداعياته في مسار تصاعدي. ويلاحظ في هذا السياق أن المؤسسات ذات الصلة كافة («بنك إسرائيل» المركزي، و«البنك الدولي»، و«منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» OECD) تقرّ بأن سمة اللايقين هي المهيمنة على هذا المسار. فعندما قدمت هذه المؤسسات تقديراتها الاقتصادية، انطلقت من عرض سيناريوات تستند إلى التشاؤم والأقل تشاؤماً، من دون ترجيح أي منها. السبب أنه لا يوجد ما يرجّح أياً منها، الأمر الذي فرض عليها تناولها على قدر المساواة. يعني ذلك أن الاحتمالات مفتوحة لكنها محصورة بين سقف مُحدَّد من الأضرار قد بات أمراً واقعاً، وبين الأكثر تشاؤماً.في هذا السياق، توقعت OECD أن يواجه الاقتصاد الإسرائيلي ركوداً هو الأشد منذ إعلان الدولة عام 1948، بعدما خلصت في تقريرها نصف السنوي إلى أن يتراجع الناتج المحلي بنسبة 6,2% في حال اختفى كورونا حتى الصيف المقبل (هذا العام). أما إن تعرضت إسرائيل لموجة ثانية، فإن الناتج المحلي سيتراجع بنسبة 8,3%. وهذه التقديرات أشد قتامة من «بنك إسرائيل» الذي توقع في تقديره الأخير أن يتراجع الناتج 5,3%. بدأ تقرير «منظمة التعاون» بالقول إن الانتعاش الاقتصادي سيكون تدريجياً، وسيبقى مستوى الناتج المحلي حتى نهاية 2021 تحت السقف المتوقع قبل «كورونا». يعني ذلك أنه في بداية 2022 حصراً ستبرز مؤشرات إيجابية أولية، إذا ما حدثت. وأرجع التقرير هذا التقدير إلى البطالة المرتفعة جداً واللايقين الذي يُثقل على الطلب المحلي، في الوقت الذي ينتعش فيه الطلب الخارجي ببطء. أما في حال السيناريو الأكثر تشاؤماً، أي موجة ثانية من الفيروس، فسيؤدي ذلك إلى استمرار نسب البطالة المرتفعة، وتباطؤ أكثر في انتعاش الاقتصاد، مع أضرار بعيدة المدى. مع ذلك، رأى التقرير أن نحو 90% من متلقي مخصصات البطالة هم ممن تلقّوا إجازات غير مدفوعة، ويمكن أن يعودوا إلى أماكن عملهم في اللحظة التي ينتعش فيها الاقتصاد. لكنه أورد أن جزءاً منهم سيتحول إلى مسرّحين من أعمالهم بصورة دائمة من جراء خطورة الأزمة. كما لفت تقرير المنظمة إلى أن وسائل الاحتواء التي اتبعتها تل أبيب «كانت متشددة»، لكنها «أقصر مما انتهجته دول أخرى في منظمة التعاون».
تهدّد موجة ثانية من «كورونا» بشطب إنجازات 15 عاماً


في المقابل، أثنى اقتصاديو المنظمة على السياسات الاقتصادية التي انتهجتها إسرائيل وبنكها المركزي، عبر «وسائل ملائمة لدعم الاقتصاد بتوفير السيولة للشركات». وأكد التقرير «المحافظة على هذا الدعم إلى حين عودة الانتعاش إلى مستواه الطبيعي». وفي حال كان الانتعاش ضعيفاً، من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى خطوات إضافية من أجل الحفاظ على العمالة وزيادة السيولة لمصلحة الأعمال الصغيرة. لكن التقرير شدَّد على أن توقعات الاقتصاد الإسرائيلي قاتمة، كما الحال في الدول الأخرى من العالم المتطور، خاصة إذا أتت موجة ثانية. في هذه الحالة، سيكون «واجباً اتخاذ خطوات تباعد اجتماعي متطرفة»، وهذا سيؤدي إلى انهيار الاستهلاك الفردي الذي شكل محرك الاقتصاد الإسرائيلي في السنوات الأخيرة بنسبة 12%، في حين أن الاستثمارات في الاقتصاد، التي تؤشر على نمو مستقبلي، ستتراجع أكثر من 17% في 2020 وحده. إضافة إلى ذلك، سيتراجع التصدير بنسبة 10%. وفق السيناريو نفسه، ستدخل إسرائيل في حالة ترتفع فيها القوة الشرائية للأموال، وستشهد حالة من التضخم السلبي. كما أن العجز سيبلغ نحو 12% من الناتج المحلي، وهو الرقم الأعلى ضمن دول «منظمة التعاون»، باستثناء الولايات المتحدة. في هذه الحالة، سترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي من 61% إلى 87%، وهو ما يعني شطب إنجازات 15 سنة من التطور الاقتصادي. مع ذلك، في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، أي عدم التعرض لموجة ثانية تؤدي إلى إغلاق الدولة، قد يبلغ العجز أكثر من 8%، وسترتفع نسبة الدين العام من الناتج المحلي إلى 80%، وهي مرتفعة جداً، مع الاشارة إلى أن بنيامين نتنياهو عندما تسلم رئاسة الحكومة عام 2009 كانت نسبة الدين آنذاك 75% وقد تراجعت العام الماضي إلى 60%.