استقال الرجل الثاني في قيادة القوات البحرية التركية، اللواء البحري جهاد يايجي، الأحد الماضي، من موقعه. وقد قبل رئيس الجمهورية، رجب طيب إردوغان، الاستقالة فوراً، وهي جاءت بعدما وقّع إردوغان الخميس الماضي على قرار بتنحية يايجي من موقعه ووضعه بتصرّف رئاسة أركان الجيش ونشره فوراً في الجريدة الرسمية. وضع يايجي في التصرّف كان إخراجاً ملطفاً لقرار تصفيته من موقعه. وكان في الواقع مفاجئاً لكثيرين نظراً إلى الدور الكبير والمؤثّر للرجل.ترى صحيفة «جمهورييت» أن ليايجي خاصيتين. الأولى أنه كان رأساً في محاربة تنظيم فتح الله غولن بعد محاولة انقلاب 15 تموز/ يوليو 2016، وحقّق نجاحاً باهراً في ذلك من خلال وضعه، وهو مهندس، برنامجاً يفكّك شيفرة بنية التنظيم داخل القوات المسلحة، ما أسفر عن كشف خمسة آلاف عسكري وستة آلاف مدني يعملون في الجيش. والثانية أنه كان مهندس اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، الذي اعتبر ضربة معلّم استراتيجية في سياق الصراع بين القوى الإقليمية والكبرى في شرق المتوسط وشمال أفريقيا. وقد نال عليه، في 22 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، الثناء العالي من إردوغان.
كان يايجي رأساً في محاربة تنظيم غولن بعد محاولة الانقلاب


مع ذلك، إن وضع تنحية يايجي انطلاقاً من هاتين الخاصيتين ليس كافياً. يقول محمد علي غولير، في «جمهورييت»، إن تنحية الرجل هي «التصفية الثالثة» التي يقوم بها وزير الدفاع الحالي خلوصي آقار. ففي 2019، عرقل آقار ترفيع يايجي من لواء بحري إلى عماد بحري، الأمر الذي كان سيفتح أمامه باب أن يكون قائداً للقوات البحرية. واليوم، قبل شهرين فقط من اجتماع الشورى العسكري، وفي إطار «تحقيقات» تجريها رئاسة الأركان في تهم فساد، يتم عرقلة الترفيع مجدداً بتنحيته من منصبه ووضعه في التصرّف.
أما التصفيتان الأخريان، فهما:
ــــ تصفية زكائي أقصاقاللي، قائد القوات الخاصة التي واجهت الانقلابيين ممن كانوا قد اعتقلوا رئيس الأركان آقار، وعيّن بعدها في منصب غير أساسي وهو قائد للفيلق الثاني. وقيل إن أقصاقاللي اتهم آقار بالتقصير في إعطاء الأوامر عشية المحاولة الانقلابية. كذلك، برز اسم أقصاقاللي في العمليات التي أدارها تحت اسم «درع الفرات» في سوريا، ونظر إليه على أنه «قائد بطل» واكتسب شعبية كبيرة، الأمر الذي لم يثر ارتياح خلوصي آقار.
ــــ أما الاسم الثالث في التصفيات الداخلية، فهو إسماعيل متين تيميللي، قائد عملية «غصن الزيتون» في عفرين. وقد أثارت عملية رفعه العلم التركي، مع العميد مطفى باروت، أمام الصحافيين في عفرين، عدم ارتياح في رئاسة الأركان. وكانت النتيجة إحالة باروت على التقاعد، فيما عيّن تيميللي في منصب هامشي.
يرى البعض أن آقار لم يكن مرتاحاً لبعض القادة الذين يبرزون متخطّين الهرمية العسكرية، وهو يريد إبقاء الجيش ملتزماً تقاليد الهرمية. لكن آقار نفسه لم يلتزم هذه الهرمية بعد محاولة الانقلاب وتغيّرت البنية العسكرية مع تشظيتها على أكثر من وزارة. والهدف الأساسي من تنحية يايجي، كما أقصاقاللي وتيميللي، هو أن يكون وزير الدفاع الحالي آقار «الرجل الوحيد» في المؤسّسات العسكرية، وهو ما يفسّر تراجع دور وأهمية وحركة رئيس الأركان الحالي ياشار غولير، مقابل تقدّم دور آقار الذي غالباً ما كان مجرّد «وديعة سياسية» في الحكومة لا علاقة له بالشأن العسكري.
يذهب القاضي المتقاعد العقيد أحمد زكي أوتشوق في الاتجاه نفسه، بالقول إن آقار لا يحب يايجي. وهو منعه من المشاركة أخيراً في ندوة عن الاتفاق مع ليبيا كان سيتحدّث فيها مع إبراهيم قالين، كبير مستشاري إردوغان ورئيس مجلس السياسات الأمنية والخارجية. وبدلاً منه أرسل ضابطاً آخر أقل رتبة إلى الندوة. وبعد قرار التنحية، نقل عن يايجي قوله لمقرّبين: «إن كرامتي وشرفي قد جُرحا».

قد تكون التنحية نتيجة ضغوط أميركية وأطلسية وأوروبية لتهدئة الوضع في شرق المتوسط (من الويب)

وفقاً لصحيفة «قرار»، ستكون تنحية يايجي مثار ارتياح لجماعة غولن، وخاصة أنه أبرز من هدم بنيتهم داخل القوات المسلحة. ويرى النائب عن حزب «الشعب الجمهوري» علي أوزتونتش، أن اسم يايجي على رأس المطلوبين لدى جماعة غولن. لذا بعد اليوم، لا يمكن لحزب «العدالة والتنمية» أن يدّعي بأنه يحارب هذه الجماعة. كذلك، يقول الأميرال المتقاعد سميح تشيتين إن أكثر من سيرتاحون لقرار تنحية يايجي هم جماعة غولن واليونانيون. ويضيف تشيتين إنه بعد تنحية يايجي، اهتزّت الثقة بمحاربة جماعة غولن، لكنه يتساءل: هل هذه مقدّمة لفتح حوار مع هذه الجماعة. أما الأميرال المتقاعد مصطفى أوزباي، فيقول إن مواقع تابعة لجماعة غولن تحدّثت منذ شهر ونصف شهر عن إمكانية تنحية يايجي، وهذا يعني أن أحداً منهم كان على علم بما كان يفكّر فيه إردوغان ويعمل عليه، أي أن «جواسيس غولن لا يزالون بيننا».
أيضاً، كان يايجي هدفاً لليونان، إذ نشر كتاباً بعنوان «المطالب اليونانية»، أظهر فيه وجوداً عسكرياً يونانياً «غير شرعي» في 16 من أصل 23 جزيرة في بحر إيجه. ويقول تشتين إن خبر تنحيته مفرح لليونانيين وسيئ للأتراك، مستدركاً أن التنحية قد تكون نتيجة ضغوط أميركية وأطلسية وأوروبية لتهدئة الوضع في شرق المتوسط وتلافي فرض عقوبات على أنقرة، بمعنى أن حركة يايجي كانت تثير قلق واشنطن والغرب. وكان يايجي قد كتب السنة الماضية مقالة قال فيها إن أمام بلاده خياراً واحداً هو انتظار ما الذي ستكون عليه الكلمة الأخيرة للولايات المتحدة في العراق، أو الدخول في صدام معها هناك في حال قرّرت تركيا الدخول. وشرح أن على الأخيرة أن تحمي تركمان العراق وأن يكون لها كلمة في أمن البلد واستقراره.
في نظر أوزباي، كان الأعداء يريدون فرض حصار بحري على تركيا بما عرف مجازاً بـ«سيفر ثانية» (اتفاقية سيفر وقّعت عام 1920 وقسّمت تركيا أشلاء) أو سيفر البحرية. وكان يايجي رمزاً لإفشال هذا المخطط. ويقول أوزباي إن يايجي هو الذي طوّر مفهوم «الوطن الأزرق»، أي مجال النفوذ البحري لتركيا وضرورة الدفاع عنه. كما يدعو أوزباي الحكومة إلى عدم التنازل للولايات المتحدة والغرب نتيجة الأزمة المالية الحالية. ويقول إن تركيا في عهد سليمان ديميريل كانت بحاجة حتى إلى 70 سنتاً ومع ذلك تجرّأ واتخذ قراراً بإغلاق القواعد الأميركية في تركيا، وقال إن عليها عدم الرضوخ والمقاومة. وإن كان من ثمن لذلك، فليس بتنحية جهاد يايجي.