يتزايد قلق الجمهوريين من أنّهم قد يفقدون سيطرتهم على مجلس الشيوخ، الخريف المقبل، بسبب عوامل عديدة، تتمثل في توليفة قوية من اقتصاد منهار، ورئيسٍ تعامل بتهوّر مع وباء «كورونا»، فضلاً عن حماسة متزايدة لدى الناخبين الديموقراطيين.في الأسابيع الأخيرة، دخل هؤلاء في لعبة سياسية صعبة، في وقت كانت تتحوّل فيه الاستطلاعات لصالح الديموقراطيين، إذ كان عليهم أن يروّجوا لاستجابتهم لتفشي الوباء من دون إبعاد أنفسهم، علناً، عن رئيس تخضع إدارته للأزمة لمراقبة وانتقاد شديدين، لكنّه في الوقت ذاته لا يزال يستحوذ على قبول جزء لا بأس به من الناخبين الجمهوريين.
«إنها صورة قاتمة الآن في جميع أنحاء الخريطة، لنكن صادقين»، يقول أحد المحلّلين الاستراتيجيين الجمهوريين المعنيين بسباقات مجلس الشيوخ لصحيفة «ذي واشنطن بوست»، مضيفاً أنّ «النقاش الجاري هو استفتاء على ترامب، وهذا موقع سيّئ بالنسبة إلى الجمهوريين».
ما نقلته «ذي واشنطن بوست» نابع من واقع أنّ أداء ترامب خلال أزمة الفيروس لن يؤثر عليه وحده انتخابياً، بل سيطال الحزب ككل، ومرشّحيه في الكونغرس كافّة. وبحسب مسؤول جمهوري آخر، «لم تعد البيئة السياسية مواتية كما كانت قبل بضعة أشهر».
في مجلس الشيوخ، يسعى الجمهوريون إلى الحفاظ على الغالبية، على اعتبار أنّ هذه المؤسسة هي الذراع الذهبية التي تسهّل تمرير أجندة الحزب، وتساعد في تلافي وجود معارضة ديموقراطية قوية. سعيٌ دونه الكثير من العقبات والمخاطر، وهو ما تنبّه إليه الجمهوريون، بالنظر إلى الوضع المتأزّم الذي تعاني منه السباقات المهمّة بالنسبة إليهم. يسيطر هؤلاء حالياً على 53 مقعداً مقابل 47 مقعداً للحزب الديموقراطي. ومن بين 35 مقعداً يجري التنافس عليها هذا الخريف، يدافعون عن 23. ويرى محلّلون استراتيجيون من كلا الحزبين أنّ المعارك الرئيسية للجمهوريين تتمحور في كارولينا الشمالية وأريزونا وكولورادو وماين، وبدرجة أقل في أيوا. ولكن ما زاد من قلقهم، استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت السناتور ستيف داينز عن ولاية مونتانا، متخلّفاً عن خصمه الديموقراطي، حاكم الولاية ستيف بولوك، بعدما كان في موقع آمن انتخابياً. كذلك، أظهرت الاستطلاعات السيناتور جوني إرنست عن ولاية آيوا في موقع خطرٍ في وجه منافسته الديموقراطية تيريزا غرينفيلد. كما يتأخّر المرشّحان الجمهوريان كوري غاردنر (كولورادو) ومارثا ماكسلي (أريزونا)، في استطلاعات الرأي، فضلاً عن السناتور سوزان كولينز (ولاية ماين) وتوم تيليس (كارولينا الشمالية) اللذين يواجهان منافسة محتدمة.
الأمر يتعدّى أداء هؤلاء السيناتورات، أو حتّى طريقة تعامل ترامب مع الوباء، إلى ظهور شخصيات أخرى تمكنت من إثبات حضورها خلال مواجهة الفيروس. فبحسب موقع «ذا هيل»، أظهر استطلاع أجرته جامعات عديدة، من بينها هارفرد، على 22 ألف ناخب في الولايات الخمسين، أنّ الناخبين في كلّ ولاية قد يوافقون على أداء حاكمهم أكثر من الموافقة على أداء ترامب أو الكونغرس. وهو ما قد يشكل مشكلة بالنسبة إلى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين ستجري إعادة انتخابهم هذا العام، والذين يتنافسون في وجه حاكمٍ أو حكمٍ سابق، على التوالي. وفي هذا الإطار تحديداً، يُعرب المسؤولون الجمهوريون، في السر، عن قلقٍ من أنّ أعضاء مجلس الشيوخ لا يحظون بالتقدير الكافي على المساعدات التي جرى توزيعها، خلال الوباء، في وقت يشيد الناخبون بحكّام الولايات في هذا المجال. يأتي ذلك أيضاً فيما قد يستفيد المرشحون الديموقراطيون، في السباقات المتقاربة، من نقص التركيز عليهم، والإعلانات السلبية بحق الجمهوريين. لذا، يحاول أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون تأكيد قدرتهم على المنافسة، زاعمين أنهم يقومون بعملهم بشكل فعّال، أثناء الوباء، بينما يديرون حملاتهم الانتخابية وفق أسلوب إعلان الخدمة العامّة. فخلال المكالمات الهاتفية مع الجهات المانحة، وفي التغطيات الإخبارية والإعلانات، يروّجون لحزمة الإنقاذ الاقتصادي التي أقرّها الكونغرس والبالغة 2 تريليون دولار، على أنها إنجازهم. وتتضمّن هذه الحزمة برنامج إقراض للشركات الصغيرة، أصبح محور جهود الجمهوريين لإظهار كيفية استجابتهم لتفشي الفيروس وتأثيره المدمّر على الاقتصاد.
سيكون مستحيلاً بالنسبة إلى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين أن يفصلوا أنفسهم عن ترامب


وإذا كانوا الجمهوريون يعتمدون هذه الاستراتيجية، متجنّبين في الوقت ذاته ذكر ترامب أو التطرّق إلى أي دور له، إلا أنّ مسؤولين في الحزب يعترفون بأنه سيكون من الصعب - إن لم يكن مستحيلاً - بالنسبة إلى أعضاء مجلس الشيوخ أن يفصلوا أنفسهم عن الرئيس. لذا، كان لا بدّ من وضع استراتيجية أخرى تهدف إلى توجيه الغضب من أزمة «كورونا» بعيداً عن إدارة ترامب، إلى «النظام الشيوعي» في الصين. ففي مذكرة استراتيجية خاصّة مؤلّفة من 57 صفحة، وزّعتها «اللجنة الجمهورية لمجلس الشيوخ» على المرشّحين، وجرى تسريبها الشهر الماضي، نصح أحد المحلّلين الاستراتيجيين الجمهوريين في واشنطن بأن يتفادى المرشّحون الدفاع عن الرئيس والتوجّه بدلاً من ذلك إلى مهاجمة الصين. ورغم أنّ اللجنة أشارت إلى أنّ هذه المذكرة جزء من أوراق روتينية، أكد المحلّلون الاستراتيجيون أنّ الجهود لاستهداف الصين ستتواصل خلال الحملة الانتخابية.
على الجهة الديموقراطية، لن يقف المنافسون عند ما تقدّم فقط، إذ بحسب «ذي واشنطن بوست»، هم ينوون مهاجمة الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ، بسبب معارضتهم لقانون الرعاية الصحية الذي يتمتع بشعبية متزايدة. وفي هذه المعركة بالذات، يمكن للديموقراطيين مهاجمة شريحة كبيرة من الجمهوريين، بسبب التصويت المبكر في بداية رئاسة ترامب لصالح إلغاء هذا القانون.