مغامرةٌ أميركية جديدة للاستيلاء على كاراكاس، باءت بالفشل. فجر الأحد الماضي، أحبطت فنزويلا محاولة توغُّل بحري مسلّح لمرتزقة من كولومبيا على شاطئ ماكوتو في ولاية لاغوايرا، شمال العاصمة. محاولةٌ انتهت بمقتل ثمانية مرتزقة، واعتُقل على أثرها 19 آخرون، من بينهم جنديّان أميركيّان سابقان خدما في القوات الخاصّة، تمكّنا من الوصول إلى قرية تشواو الساحلية، على بعد 8 كلم إلى الغرب من كاراكاس، قبل إلقاء القبض عليهما في اليوم التالي.«إعادة إنتاج» غزوة خليج الخنازير الفاشلة عام 1961 لإطاحة فيدل كاسترو على أيدي «سي آي إيه» وعملائها، كما وصفها مادورو، تشكّل أحدث الحلقات ضمن مساعي إدارة دونالد ترامب للاستيلاء على السلطة في كاراكاس، عبر تنفيذ عملية انقلابية تطيح نيكولاس مادورو، على غرار ما حدث في بوليفيا عندما نجحت مساعيها في إزاحة إيفو موراليس. ورغم الكارثة التي تعيشها الولايات المتحدة بفعل فيروس «كورونا»، لم يكلّ ترامب من المحاولة مرّة تلو الأخرى لقلب نظام مادورو. لم تعدم واشنطن وسيلة إلا جرّبتها: تشديد العقوبات، واتهام مادورو بـ«الإرهاب المرتبط بالمخدرات»، وقبلها محاولة الانقلاب العسكري اشتغل عليها خوان غوايدو في 30 نيسان/ أبريل 2019.
بات مصير الأميركيَّين اللذين أوقفا لمحاولتهما التسلّل محور الأزمة


الغزو البحري، كما يؤكّد مادوور، كان يهدف إلى إطاحة حكمه لمصلحة خوان غوايدو الذي تعترف به واشنطن رئيساً بالوكالة، والذي اتهمته النيابة الفنزويلية بتجنيد مرتزقة من أموال النفط المجمّدة من جرّاء العقوبات الأميركية، للإعداد لعملية توغّل بحرية. لكن دخول فنزويلا من طريق ساحل الكاريبي لم يكن موفقاً؛ بحسب المدّعي العام، طارق وليام صعب، فإن مرتزقة وقّعوا عقوداً بقيمة 212 مليون دولار من المال المنهوب من شركة النفط الحكومية «بي دي في أس إيه» و«حسابات (لكاراكاس) مجمّدة في الخارج»، متّهماً عسكرياً أميركياً سابقاً يُدعى جوردان غودرو بإبرام هذا العقد. وزاد قائلاً: «هذا العقد علني. يمكن رؤية توقيع المواطن خوان غوايدو عليه» و«جوردان غودرو نفسه»، في إشارة إلى وثيقة كشفت عنها صحافية فنزويلية تقيم في ميامي، وتدعى باتريسيا بوليو.
وبات مصير الأميركيَّين اللذين أوقفا لمحاولتهما التسلّل إلى فنزويلا، محور الأزمة. فكاراكاس تريد محاكمتهما، وواشنطن تطلب استردادهما، فيما تعتبر روسيا نفي الولايات المتحدة ضلوعها في محاولة التوغّل أمراً «غير مقنع». مادورو، من جهته، أكّد أن لوك دنمان (34 عاماً) وآيرن بيري (41 عاماً) اعترفا بأنهما دبّرا محاولة التوغّل، مشيراً إلى أنهما «يتلقّيان معاملة جيّدة، وستتم محاكمتهما مع توافر كل الضمانات وفي شكل عادل». لكن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أكّد أن بلاده ستبذل كل ما هو ممكن لإعادة دنمان وبيري، مكرّراً ما قاله ترامب بأنه «ليس هناك أيّ ضلوع مباشر للحكومة الأميركية في هذه العملية»: «لو كنّا ضالعين، لتمّ الأمر بطريقة مختلفة».
وعرض الرئيس الفنزويلي شريطاً مصوّراً لاستجواب دنمان، يوضح فيه الأخير أنه تمّ التعاقد معه من قِبَل الجندي السابق في الجيش الأميركي، جوردان غودرو، مؤسس شركة أمنية خاصة تسمّى «سيلفر كورب يو أس إيه»، للتغلغل في فنزويلا وإسقاط حكم نيكولاس مادورو. وتشير معلومات السيرة الذاتية إلى أن دنمان كان عنصراً في القوات الخاصة الأميركية وخدم في الجيش من عام 2006 إلى عام 2011. أما غودرو، فقد خدم في الجيش بين عامي 2001 و2016 ضمن القوات الخاصة في العراق وأفغانستان. كما أمضى آيرن بيري، وهو أيضاً مجنّد سابق في القوات الخاصة، حياته العسكرية من 1996 إلى 2013.