للمرة الأولى منذ اعتقاله في شباط 1999 يتحدّث زعيم حزب «العمّال الكردستاني» عبد الله أوجلان بالهاتف. أوجلان، المعتقل في جزيرة إيمرالي الشهيرة في بحر مرمرة، كان له أن يلتقي أحياناً بمحامين أو سياسيين أو أقرباء له وجهاً لوجه. لكنه لم يكن مسموحاً له أن يتكلّم عبر الهاتف لا العادي ولا الخلوي.وكل ما كان يرشح عن وضعه الصحّي كان من خلال الزيارات المذكورة. وكم كانت مؤثّرة تلك الصورة التي نُشرت قبل سنوات قليلة ويبدو فيها الزعيم والمثال لقسم كبير من الشعب الكردي في تركيا وخارجها وقد كسا الشيب شعره وبدا متقدّماً في العمر، هو الذي لم تفارق صورته كمقاتل ومناضل بشعره الأسود وخطواته الواثقة أنصاره ومحبيه.
لسان حال الطبقة الحاكمة في تركيا أن ذلك الملقّب بـ«آبو» (APO) أي العمّ أو تصغير عبد الله، يجب أن يبقى في السجن إلى أن يموت.
كما خارج السجن، كذلك في داخله، لم يتغيّر مسار الحركة الكردية في تركيا. تابعت، وسط ظروف صعبة وتعقيدات عميقة في الحسابات، مسارها من أجل تحقيق ما تتطلّع إليه، وهو تحقيق مطالب الهوية الثقافية ومن ثم المطالب المتعلّقة بالهوية السياسية، وهذه موضع نقاش، لكن حتى مطلب الهوية الثقافية لم يكن محل قبول من جانب النخبة التركية الحاكمة.
رغم كل الصعوبات والعراقيل والضغوط، تمكّنت الحركة الكردية، ممثّلة بأكثر من حزب مثّلها، من أن تتمثّل في البرلمان للمرّة الأولى في تاريخها بحزب مستقلّ وبنسبة أكثر من 10 في المئة. كما تمكّنت من السيطرة المطلقة على معظم البلديات الكبيرة والصغيرة في مناطق جنوب شرق الأناضول ذات الغالبية الكردية. كل ذلك حصل في ظل اعتقال أوجلان. وهذه رسالة كبيرة إلى النخبة القومية – الإسلامية التي تتحكّم بتركيا منذ عقود للتفكير جدّياً بالعمل على إطلاق سراح «رأس المنظمة الإرهابية»، كما تصفها أدبيات النخبة الكمالية – الإسلامية.
إضافة إلى أوجلان، فقد سمح أيضاً للمرّة الأولى لزملاء له بالسجن بالتخابر هاتفياً مع عائلاتهم، مثل: عمر خيري قونار وحاملي يلدريم وفايسي أقطاش. عمر خيري قونار، مسؤول بارز في الحزب عن سوريا ولبنان اعتُقل عام 2002 في سوريا وسُلّم إلى تركيا. حاملي يلدريم، هو مسؤول «العمّال الكردستاني» في الاسكندرون والبحر المتوسط، والذي اعتقل عام 2004 وهو يحاول العبور من سوريا إلى تركيا وكان معه 15 شخصاً اعتقلوا كذلك معه، وقد حُكم بالمؤبّد مع الأشغال الشاقة. أمّا فايسي أقطاش، من سكرتاريا «العمّال الكردستاني»، فقد اعتقل عام 1999 وحكم بالمؤبد.
في المحادثة التي حصلت يوم الأربعاء الماضي، تحدّث أوجلان كما مع محاميه كذلك مع أخيه الأكبر محمد، الذي كان في مقرّ مدّعي عام الجمهورية في أورفا. وقد تحدّث محمد بهاتف ثابت، عائد للمدّعي العام، مع أوجلان، لمدّة 25 دقيقة. وعندما سمع صوت «الرئيس» (عبد الله أوجلان) فرح كثيراً. يروي محمد أنهم «كانوا ينقلونني للقاء أخي في السجن وما يلبثون أن يعيدوني من منتصف الطريق. واللقاء اليوم بالهاتف هو أمر لافت. وهذا حقّ لم يعطوه لنا منذ 21 عاماً. فالشعب التركي عينه وأذنه في جزيرة إيمرالي». ويقول محمد إنه تحدّث مع «الرئيس» عن القلق من تداعيات «كورونا»، وقال: «إن صحّة أخي جيّدة لكن لا أعرف ما الذي ستكون عليه لاحقاً».
وقال محمد إن أوجلان سأله عن بعض القضايا ومن ثم تناول التوتّر الذي حصل في منطقة «زينه ورتيه» في سفوح جبال قنديل بين قوات حزب «العمّال الكردستاني» وقوات من «البيشمركه». ووصف ما جرى أنه «جزء من سياسة ضرب الكردي بالكردي. ولن يربح الأكراد من مثل هذه الأفعال. ومثل هذه السياسة ليست أيضاً في صالح الشعب التركي. يجب ألا يدخل الحزب الديمقراطي الكردستاني (مسعود البرزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني (جلال الطالباني) في أية حسابات على قاعدة "ها نحن نتقاتل فلتعطونا دولة" وهذا غير مقبول ولن يحصل. يجب أن تؤخذ الوحدة الوطنية أساساً». ويتابع أوجلان: «إن الذين يعيشون هنا هم أكراد ولن يخرج أحد من تحت الدم الذي قد يسيل وهذا يسري كما على قنديل (مقرّ قيادة حزب العمّال الكردستاني) كما على الحكومة الفدرالية. وهي رسالة أيضاً إلى عائلة البرزاني وعائلة طالباني وكل الشخصيات في جنوب كردستان (أي شمال العراق). إن الأكراد ليسوا بحاجة إلى الحروب وإلى الدم». وذكّر أوجلان بالبروتوكول المؤلّف من 10 بنود الذي وقّعه عام 1982 مع إدريس البرزاني والد رئيس إقليم كردستان الحالي نتشيروان برزاني، حول عدم الدخول في صدامات، ويمكن له أن يتجدّد اليوم. ووجّه سلامه إلى نتشيروان برزاني ومسرور برزاني وأبناء طالباني، قائلاً: «إن إراقة الدم الكردي غير مقبولة أبداً. وإذا كان من خلافات فلتحل عبر الحوار. وقال إن وحدة الأكراد تمرّ عبر روج هيلات وروجافا وباشور وباكور (أسماء أجزاء كردستان الأربعة)».
حول الوضع في شمال سوريا، الذي يطلق عليه الأكراد اسم «روجافا»، يقول أوجلان: «مما أسمعه الوضع ليس جيّداً وليس سيئاً. المسؤولون الحزبيون هناك لم يستطيعوا تنمية البنية الديمقراطية وبقيت صغيرة. وهذا لا يحل أي مشكلة. وإذا لم تكن قوياً لا تستطيع حل أي مشكلة. ويجب تكبير وتنمية البنية التنظيمية في أجزاء كردستان الأربعة. وإذا كان الدكّان صغيراً فليس مقبولاً أن تكون المقاربة صغيرة. والأكراد لا يحتاجون إلى دكاكين صغيرة. ولا يجب أن يكون التنظيم مستنداً إلى عرق أو مذهب. وحزب العمّال لم يكن يوماً كذلك».
وحذّر أوجلان أي جهة تحاول أن تجري حسابات من خلاله هو: «لا يجب على أحد أن يقوم بحسابات من خلالي أنا. إن ما فعلته خلال 50 عاماً العالم كلّه يعرفه. أنا ومن معي في الزنزانات نعمل ما بوسعنا من أشياء جيّدة. لكن من ينظر إليّ بعين خاطئة عليه ألا يفعل ذلك. وليس من شيء لنخفيه. توجد مشكلة كبيرة. يوجد دم يراق وعلى الجميع التحرّك بشكل صحيح».
وأخيراً دعا أوجلان حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي في تركيا إلى أن يطوّر ويكبّر نفسه وأن يتحرّك برؤية أوسع، وأن يكون قوياً، وإلا فإن الطرف المقابل سوف يمحوه.