لم يكن اتفاق خفض الإنتاج الذي توّصلت إليه دول «أوبك+» أمس، كافياً لدعم الأسعار المنكوبة وإعادة التوازن إلى السوق المضطربة بفعل جائحة كورونا وحرب الأسعار السعودية ــ الروسية. فرغم الحديث عن اقتطاعات ضخمة في الإنتاج بعشرة ملايين برميل يومياً، هوت الأسعار المتأثّرة بانخفاض الطلب العالمي على الخام بنحو 30%. في هذه الأثناء، تتجّه الأنظار إلى اجتماع يُعقد اليوم لوزراء الطاقة من دول «مجموعة العشرين»، نظراً إلى مشاركة الولايات المتحدة ومنتجين آخرين، للاتفاق على اقتطاعات إضافية لا تبدو الولايات المتحدة في وارد الانضمام إليها.
حتى ليل أمس، لم يصدر عن المجموعة إعلان رسمي يفنّد تفاصيل الاتفاق الأكبر على الإطلاق في تاريخ «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك)، ومَن يتحمَّل ماذا. غير أن وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنة، تحدّث عن مقترحَين اثنين يقضي أحدهما بخفض الإنتاج بعشرة ملايين برميل، والثاني بـ11 مليوناً من الإنتاج المشترك، على أن يطبَّق تدريجياً. زنغنة الذي أكّد استثناء بلاده إلى جانب ليبيا وفنزويلا من الاقتطاعات، لفت إلى أن خفض الإنتاج المتّفق عليه ضمن «أوبك+» لا يشكِّل بديلاً من اقتطاعات أكبر متوقَّعة مِن دول مثل البرازيل والنروج والولايات المتحدة. وكشف أن الخفض بـ10 أو 11 مليون برميل (10% إلى 11% من الإنتاج العالمي) مخصّص فقط للشهرين المقبلين، على أن يثبت عند ثمانية ملايين برميل اعتباراً من تموز/يوليو حتى نهاية العام، ثم إلى 6 ملايين برميل بدءاً من كانون الثاني/يناير 2021.
الاجتماع التاسع الاستثنائي عُقد عبر دائرة الفيديو بين وزراء «أوبك»، ونظرائهم في الدول غير الأعضاء وعلى رأسهم روسيا، وقد خُصّص لبحث خفض الإنتاج، بعدما أدّى تحطّم الطلب على النفط، من جرّاء الركود الاقتصادي الناتج عن الجائحة واستعار حرب الأسعار للحصول على أكبر حصة ممكنة في السوق (إثر انهيار محادثات مماثلة لخفض الإنتاج في آذار/مارس)، إلى انهيار الأسعار، ليفقد خاما القياس العالمي أكثر مِن ثلثَي قيمتهما. كما هدف الاجتماع إلى تفادي انهيار تام للأسعار ووقف للإنتاج في بعض المواقع، في وقت تواجه فيه الصناعة النفطية العالمية «صدمة غير مسبوقة في تاريخها»، والتعبير للوكالة الدولية للطاقة. وإذ قفزت الأسعار بالفعل، قبل بدء الاجتماع، مدفوعةً بآمال التوصّل إلى اتفاق جديد لخفض حادّ في الإنتاج، عاودت الهبوط مع بروز أول مؤشرّات على الاتفاق على اقتطاعات «متواضعة» ولا تبدو كافية لتحقيق بعض التوازن في السوق النفطية، خصوصاً بعدما انهار الطلب على الخام بنحو 30%. وتراجعت الأسعار متخلّية عن مكاسب بلغت 10% في وقت سابق من أمس، إذ لم يرحّب المستثمرون باتفاق خفض المعروض بين دول «أوبك+»، نظراً إلى أن كبح الإنتاج الذي تحدّث عنه وزير النفط الإيراني أقلّ ممّا كانت السوق تنتظره.
جراء ذلك، تراجعت العقود الآجلة لخام «غرب تكساس الوسيط» الأميركي 9.36% ليتحدّد سعر البرميل عند 22.76 دولاراً، في حين أغلق «برنت» منخفضاً 4.1% إلى 31.48 دولاراً للبرميل. وفق جون كيلدوف، الشريك لدى صندوق التحوّط «أجين كابيتال»، فإن «الأرقام التي وضعوها لن تنجز المهمة... آمال عريضة دخَلت في حساب الأسعار في هذه السوق على مدى أيام مضت. كان عليهم أن يحرّكوا جبلاً، لكن يبدو أنهم حرّكوا تلّة». كذلك، وفق «غولدمان ساكس» و«يو بي إس»، فإن التخفيضات المقترحة، رغم ضخامتها، لن تكفي لمعالجة التراجع الهائل في الطلب العالمي، بل توقّعا إمكانية انخفاض أسعار الخام إلى 20 دولاراً، وربّما أقل، إذ إنه «في نهاية المطاف، حجم صدمة الطلب هو ببساطة أكبر بكثير من أي خفض منسّق للإمدادات».
هوت الأسعار مع بروز أول مؤشّرات على اقتطاعات «متواضعة» في الإنتاج


وقبيل انضمامهما إلى الاجتماع، كانت العقبات أمام التوصل إلى اتفاق جديد قد أزيلت بين الرياض وموسكو. وقال مدير صندوق الثروة الروسي، كيريل ديميترييف، وهو أيضاً من كبار مفاوضي النفط الروس، إن البلدين تغلّبا على خلافاتهما، لكنّه جدّد التأكيد أن خطوات خفض إنتاج الخام تتطلّب دعم «أوبك+» جنباً إلى جانب منتجين آخرين غير أعضاء في المجموعة. وطبقاً للمحلل لدى «سيب» بيارني شيلدروب، فإن السعودية وروسيا كانتا «في غاية الوضوح» بتأكيدهما أنهما ستخفضان إنتاجهما «فقط إذا انضمت إليهما دول أخرى من كبار منتجي النفط».
أما الولايات المتحدة، المنتج الأول للنفط في العالم، فدفعت في اتجاه اتفاق يخفّف الضغط عن قطاعها، إذ إن تكلفة النفط الصخري المستَخرج في هذا البلد مرتفعة ولا يعود إنتاجه مربحاً مع مستوى الأسعار الحالي. وبعدما كانت الشركات الأميركية تستخرج، حتى الآن، كميات قياسية من النفط، بدأ إنتاجها يتراجع مع انهيار الأسعار، فبلغ الأسبوع الماضي 12,4 مليون برميل في اليوم مقارنة مع 13 مليوناً قبل أسابيع قليلة. ومن المتوقع ألا يتخطى 11,8 كمعدل سنوي، وفق آخر تقديرات صدرت عن الوكالة الأميركية للمعلومات حول الطاقة. وفي حين ترغم قدرات تخزين الخام التي تكاد تصل إلى أقصى حدها الدول المنتجة على تقليص إنتاجها، فإن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم يُبدِ أي رغبة في خفض غير طبيعي لإنتاج بلاده، بل حذّر من أن لديه خيارات كثيرة إذا أخفقت السعودية وروسيا في الاتفاق على تخفيضات للإنتاج.