أكثر من 3 مليارات إنسان، في أربع جهات الأرض، يقبعون اليوم في منازلهم، ويواجهون خطر وباء «كورونا» متسلّحين بالانترنت، الرئة شبه الوحيدة التي تتنفّس البشرية عبرها من دون خوف من الإصابة. يلقي ذلك عبئاً كبيراً على الشبكة الدولية ما يعرّضها لخطر الانهيار، إذا ما لم تُعالج نقاط الخلل فيها قريباً.يٌطلق اسم «إنترنت الأشياء» (Internet of Things) على كل الأجهزة المتصلة بالإنترنت. لم يعد الأمر يقتصر على أجهزة الكمبيوتر المكتبية والمحمولة والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، بل بات يشمل، تقريباً، «كل الأشياء» في حياتنا: الغسالات والمكانس الآلية الروبوتية وأقفال الأبواب والسيارات الذكية والألعاب... الخ. وحتى نهاية عام 2018، كان عدد تلك الأجهزة عالمياً بحسب موقع «Statista» نحو 11.2 مليار ، ليقفز بحلول عام 2020 إلى 20 مليار جهاز. صحيح أن عدد سكان الأرض لا يتعدّى الثمانية مليارات نسمة، لكن في عصر الديجيتال والبيانات الكبرى (Big Data) الذي نعيشه، يمتلك أكثر كل منّا أكثر من جهاز متصل بالإنترنت، حتى أن مصطلح المنزل الذكي - الذي كان برّاقاً في ما مضى - استبدل بالمدينة الذكية، في ما يعد أكبر تطبيق لتلك التكنولوجيا.
وبسبب البيانات المرسلة عبر كل أجهزة «إنترنت الأشياء» والضغط الذي تشكّله، بات الانترنت بحاجة ماسة الى التوسعة. والحديث، هنا، ليس عن تحديث المعدات الموجودة، لأن هذه وصلت الى طاقتها الاستيعابية القصوى. لذلك، كانت الحاجة الى تكنولوجيا جديدة أمراً لا مفرّ منه، فكانت الـ 5G التي أمّنت ثلاثة أمور رئيسية: أولها، السرعة الهائلة في نقل البيانات. وثانيها، شبك كل أجهزة «إنترنت الأشياء» من دون أي انخفاض في السرعة أو تعثر في نقل البيانات. وثالثها، والأهم، تقليل فترة الاستجابة (Latency) إلى الحدود الدنيا، ما أمّن الأرضية لظهور السيارات الذاتية القيادة وتسهيل عمليات الجراحة عن بعد (في مثل هذه الحالات لا يمكن السماح بأي تأخير في وصول المعلومات)، وتسريع عملية تغذية الذكاء الاصطناعي بالبيانات الكبرى ليلتهمها بشكل سريع، ما يؤمن له القدرة على التنبؤ بالأخطار والأحداث قبل وقوعها.
لكن هذه التكنولوجيا، ، رغم حاجتنا إليها، تعرّضت لمضايقات، وخصوصاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي منع العالم من استخدام تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات اللاسلكية من «هواوي» الصينية. ولذلك، عندما لجأت البشرية اليوم إلى الانترنت لتسيير حياتها، تبيّن أن البنية التحتية الحالية صدئة، وبحاجة إلى تحديث بشكلٍ طارئ. لجوء سكان الأرض، بغالبيتهم، إلى هذا المتنفّس الوحيد لقضاء أعمالهم ومتابعة دراستهم وتمضية وقت الفراغ الكثير، أدّى إلى تباطؤ الشبكة الدولية حول العالم، ما دفع ذلك بشركة «نيتفليكس»، على سبيل المثال، إلى خفض ما نسبته 25 في المئة من بثها الى أوروبا لتحول دون أي انقطاع بالخدمة في الولايات المتحدة، ولم يحل ذلك دون أن تشهد الشركة انقطاعاً كبيراً في الخدمة عالمياً في الأيام القليلة الماضية. في أوروبا الوضع كارثي. في ميلانو الإيطالية، وصلت حركة البيانات على الشبكة إلى حدودها القصوى، بسبب المستخدمين المحجورين في منازلهم. وأيضاً، طلبت شركة الاتصالات الأولى («أم تي إس») من زبائنها التوقّف عن تبادل مقاطع الفيديو للحدّ من الضغط على الشبكة بعدما زاد استخدام الانترنت في موسكو وحدها بنسبة 30 في المئة. وليس الوضع في الولايات المتحدة أفضل حالاً. بحسب تقرير لـ «نيويورك تايمز»، فإن البنية التحتية الحالية للإنترنت في البلاد اعتادت على نسبة معينة من النشاط في أوقات محددة من اليوم، كما هي الحال في المساء عندما يعود الناس من أعمالهم ويستخدمون الإنترنت في المنزل لأغراض شتى. إلا أن الانتقال الكبير إلى الشبكة، للعمل والتعلم والترفيه وغيرها، جعل حجم البيانات المستخدمة من المنازل يماثل ما كانت تستخدمه الشركات الكبرى! ومن غير المعلوم كم تستطيع البنية التحتية الحالية تحمّل كل هذا الجهد.
بحسب المعطيات، لا يبدو أن فيروس «كورونا» سينتهي قريباً، لذا يتوقع أن تستمر هذه الوتيرة من استخدام الانترنت بالارتفاع، ما يتطلب من حكومات العالم وضع الخلافات جانباً والعمل على تحديث بنيتها التحتية. من المؤكد أننا، ما بعد «كورونا»، دخلنا عصراً جديداً سيتغير فيه شكل الحياة التي اعتدناها. والخشية من أن تلجأ الشركات الأميركية، كـ«نيتفلكس» مثلاً، إلى حصر خدماتها داخل الأراضي الأميركية، لحماية المستخدمين الأميركيين، ما يدفع بإلحاح الى البحث عن مصادر أخرى خارج الولايات المتحدة، فيما أصبحت الحاجة إلى تكنولوجيا 5G من «هواوي» الصينية أكبر من أي وقت مضى.